وأما قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ} أي: جعل الناس كلهم مجتمعين، متفقين "على الهدى" بهدايتهم للعقائد الحقة واتباع الشريعة اللازمة، فلا يضل أحد منهم عن الطريق المستقيم "فلا تكونن من الجاهلين" [الأنعام: ٣٥] ، فنهيه عن ذلك يوهم أنه لم يحط به وهو منزه عنه، "فقال القاضي عياض: لا يلتفت" بالبناء للمجهول، أي: لا يتوجه التفات نظر "إلى قول من قال" من المفسرين: "لا تكونن ممن يجهل أن الله تعالى لو شاء لجمعهم على الهدى"، بإسناد الجهل بمشيئة الله إليه، إذ فيه إثبات الجهل بصفة من صفات الله تعالى"، وهي قدرته وعلمه، "وذلك لا يجوز على الأنبياء" لعلمهم الله وصفاته "والمقصود" أي: المعنى المراد "وعظمهم" أي: الأمة، أي: إرشادهم وتنبيهم على "أن لا يشتبهوا في أمورهم بسمات الجاهلين" أي: لا يتصفوا بصفاتهم من عدم الصبر والحرص على سرعة المراد، كما هو شأن الجهلة، "وليس في الآية دليل على كونه على تلك الصفة التي نهاه الله على الكون عليها" وعليه، فالخطاب له والمراد غيره، "فأمره الله تعالى بالتزام الصبر على إعراض قومه" بقوله: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} [الأنعام: ٣٥] ، المختومة بالنهي، فالمراد بالأمر ما يلزم النهي، وقد أمر بالصبر صريحًا في آيات، كقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥] الآية، "ولا تحرج" من الحرج، وهو ضيق الصدر "عند ذلك" أي: عند إعراضهم، عنه هكذا ذبطه شراح الشفاء ويقع محرفًا في نسخ المصنف ولا يرج عن ذلك من الخروج فمشى عليه الشارح، فقال: اي: والتزام عدم خروجه عن ذلك، "فيقارب" حاله "حال الجاهل بشدة التحسر" التأسف والندم بسبب إعراضهم "حكاه أبو بكر بن فورك" "بضم الفاء"،