للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقسم تعالى بالبلد الأمين، وهو مكة أم القرى وهو بلده عليه الصلاة والسلام، وقيده بحلوله فيه إظهارا لمزيد فضله، وإشعارا بأن شرف المكان بشرف أهله قاله البيضاوي.

ثم أقسم بالوالد وما ولد، وهو فيما قيل: إبراهيم وإسماعيل، وما ولد: محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا تتضمن السورة الإقسام به في موضعين، وقيل: المراد به


مقام المضمر، فلم يقل به استعظاما لحلوله فيه، "الآية" أتلها. "أقسم تعالى بالبلد الأمين"، فلا زائدة لإفادة التأكيد والتحسين، وإن كان حذفها لا يغير أصل المعنى، فاندفع قول الإمام الرازي: إنه مانع من الانتظام، وموهم جعل الإثبات نفيا، ويلزمه عدم الاعتماد على القرآن، مع أن لا تأتي زائدة مع القسم كثيرا، وقد تزاد في غيره أيضا.
وقد ذهب بعض المفسرين والنحاة إلى أنه لا يصلق على مثله زائد، بل يقال: صلة تأدبا، وهو حسن، ويحتمل كلام المصنف أنه حمل، لا على أنها واقعة جواب قسم مقدر، أي: ولله؛ لأنا أقسم ويؤيده القراءة الشاذة: لا أقسم، بلام الابتداء، "وهو مكة أم القرى، وهو بلده عليه الصلاة والسلام، وقيده بحلوله فيه إظهارا لمزيد فضله"، فالمعنى أقسم به، والحال إنك مقيم به لشرفك وعظمتك عندي، "وإشعارًا بأن شرف المكان بشرف أهله"، وفيه إيماء إلى أن القسم بقوله: {وهذا البلد الأمين} ، لكونه فيه، فلا تنافي بين الآيتين، فإذا كان فيه، فهو حقيق بالإقسام به، كما قيل:
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
"قاله البيضاوي" غير مقتصر عليه، بل حكى بعده ما يأتي لمصنف، لكنه لم ينقله عنه لوجوده في كلام من تقدمه "ثم أقسم بالوالد وما ولد" آثر ما على من لمعنى التعجب، كقوله: والله أعلم بما وضعت، أو؛ لأن كثيرا منالنحاة زوجوه، أو لتأويله بالمبهم، أي: الولد الكامل، الذي لا يدرك كنه ذاته، أو لاطراده فيما قصد به المعنى الوصفي، كالمولود هنا نظرا للصفة، فإنها ليست منجنس العقلاء، قال في حواشي الكشاف: التفرقة بين من وما إنما هي إذا أريد الذات، وأما إذا أريد الوصف، فيجوز ذهابا إلى الوصف، وقد خفي هذا على بعض الأفاضل، "وهو فيما قيل: إبراهيم وإسماعيل وما ولد محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا تتضمن السورة الأقسام به في موضعين" أحدهما: في البلد التي هي محله فإذا القسم بمكانه قسم به صلى الله عليه وسلم، أبلغ من القسم بذاته وحياته.
والثاني قوله: وما ولد، وزعم أنه لما أقسم بوالده، وهو في أصله، فكأنه أقسم به في غايةالبعد، اللهم إلا أن يقال لما قصد تعظيمه بالقسم بوالده، كأنه أقسم بصفة من صفاته، وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>