"وأما ما أعطيه هارون عليه الصلاة والسلام من فصاحة اللسان" أي: القدرة على النطق بلا ركة، ولا تلعثم، ومن بلاغة الألفاظ التي يؤدي بها، لأنها التي تحسن المقابلة بينها وبين فصاحة المصطفى، فالمراد باللسان الجارحة واللغة معًا، لا الجارحة فقط بدليل قوله الآتي: فصاحة هارون غايتها في العبرانية، إذ العبرانية لغة لا آلة، "فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من الفصاحة والبلاغة بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل" بل يعلمه كل أحد لما فيه من البلاغة المشاهدة لكل من سمعه، وبالجملة فلا يحتاج العلم بفصاحته إلى شاهد، ولا ينكرها موافق ولا معاند، "ولقد قال له بعض أصحابه: ما رأينا الذي هو أفصح منك؟ " أي: ما رأينا أحدًا هو أفصح منك، بل أنت أفصح من رأيناه على مفاد النفي عرفًا، وإن صدق لغة بالتساوي، وأما إشعاره بأن ثم أفصح منه، لكنهم لم يروه، فليس بمراد إذ يأباه سياقه في مقام المدح، "فقال: وما يمنعني" أي: شيء يمنعني من بلوغ الغاية القصوى في الفصاحة والتميز فيها عن سائر الخلق، بحيث لا يساويني، بل ولا يقاربني فيها أحد، "وإنما أنزل القرآن بلساني" أي: لغتي جملة حالية، قصد بها تحقيق ما انتهى إليه من الفصاحة "لسان" بدل مما قبله "عربي مبين" نعت له، وذكر السان نظرًا لكون اللغة لفظًا، "وقد كانت فصاحة هارون غايتها في" لغته "العبرانية" بكسر العين "والعربية أفصح منها" ومن غيرها، "وهل كانت فصاحة هارون معجزة أم لا؟ ". "قال ابن المنير" في المعراج: "الظاهر أنها لم تكن معجزة، ولكن فضيلة" لأن حكم الفصاحة مطلقًا الظفر، وإقامة الحجة، وكبت الخصوم، وإفهامهم، وإفحامهم، وإظهار نقائص