فلو ادَّعى مدَّعٍ أن غالب هذه الوقائع مفيد للقطع النظري لما كان مستبعدًا، وذلك أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من أصحابه مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك, ولا الإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق؛ لأن مجموعهم محفوظ عن الإغضاء عن الباطل، وعلى تقدير أن يوجد من بعضهم إنكار أو طعن على بعض من روى شيئًا من ذلك, فإنما هو من جهة توقف في صدق الراوي أو تهمته بكذب، أو توقف في ضبطه أو نسبته إلى سوء الحفظ، أو جواز الغلط، ولا يوجد أحد منهم طعن في المروي، كما وجد منهم في غير هذا الفن من الأحكام............................
قال عياض: ولا بعد أن يحصل العلم بالتواتر عند واحد، ولا يحصل عند غيره، فإن أكثر الناس يعلمون بالخبر وجود بغداد، وأنها مدينة عظيمة دار الإمامة والخلافة، وآحاد لا يعلمون اسمًا فضلًا عن وصفها، وهكذا تعلّم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة أن مذهبه إيجاب أم القرآن في الصلاة للمنفرد والإمام، وإجزاء النية أول ليلة من رمضان عمَّا سواه، وأنَّ الشافعي يرى تجديدها كل ليلة، والاقتصار على مسح بعض الرأس، وأن مذهبهما القصاص في القتل بالمحدد وغيره، وإيجاب النية في الوضوء، واشتراط الولي في النكاح، وأن أبا حنيفة يخالفهما في هذه المسائل, وغيرهم ممن لا يشتغل بمذاهبهم لا يعرف هذا فضلًا عمَّا سواه، "فلو ادَّعى مدَّعٍ أن غالب هذه الوقائع مفيد للقطع النظري، المحصل للعلم الضروري، "لما كان مستبعدًا،" تفريع على قوله: "وأفاد الكثير منه، إلى آخره، "وذلك" أي: وجه عدم الاستبعاد، "أنه" بالفتح، أي: لأنه "لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من أصحابه مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك" من الآيات، "ولا إنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق؛ لأن السكوت في محله إقرار؛ لأن مجموعهم محفوظ عن الإغضاء" بغين وضاد معجمتين، التغافل عن وفي نسخة: على، بمعنى: عن؛ إذ إنما تعدَّى بعن "الباطل" سمعوه ولم ينكروه؛ إذ ليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم من الإنكار، "وعلى تقدير أن يود من بعضهم إنكار أو طعن على بعض من روى شيئًا من ذلك, فإنما هو من جهة توقف في صدق الراوي،" لا في المروي نفسه، "أو تهمته بكذب، أو توقف في ضبطه، أو نسبته إلى سوء الحفظ أو جواز الغلط" عليه لعدم اتقانه، ولا يلزم من ضعف السند ضعف المتن، ولذا قال: "ولا يوجد أحد منهم طعن في المروي" نفسه، كما وجد منهم في غير هذا الفن من الأحكام" كما وقع بين عمر وابن عباس في إنكاره عليه