للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يزد -عليه الصلاة والسلام- على أن قال: "ذلك الله, إذا مدح زان, وإذا ذمَّ شان، إني لم أبعث بالشعر، ولم أؤمر بالفخر، ولكن هاتوا"، فأمر -عليه الصلاة والسلام- ثابت بن قيس أن يجيب خطيبهم فخطب فغلبهم، فقام الأقرع بن حابس شاعرهم وقال:

أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... إذا خالفونا عند ذكر


ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صياحهم، وخرج إليهم، "فلم يزد -عليه الصلاة والسلام- على أن قال ذلك" الموصوف بما قلتموه، "الله إذا مدح زان" من مدحه، "وإذا ذمَّ شأن" من ذمه، وصلى -صلى الله عليه وسلم- الظهر، ثم جلس في صحن المسجد، وقال: "إني لم أبعث بالشعر، ولم أؤمر بالفخر، ولكن هاتوا"، وعند ابن إسحاق، فقالوا: ائذن لخطيبنا وشاعرنا، فقال: "أذنت لخطيبكم فليقل"، فقام عطارد بن حاجب، فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكًا، ووهب لنا أموالًا عظامًا, نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عددًا وعدة، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو شئنا لأكثرنا الكلام، ولكن نستحي من الإكثار فيما أعطانا وإنا نعرف بذلك، أقول هذا، لأن تأتوا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس، "فأمر -عليه الصلاة والسلام" خطيبه "ثابت بن قيس أن يجيب خطيبهم" عطارد بن حاجب، كما رأيت، وتجويز أنه الأقرع من عدم الاطلاع، وخطيب القوم لغة من يتكلّم عنهم، "فخطب فغلبهم"، وعن ابن إسحاق، فقال -صلى الله عليه وسلم- لثابت: "قم فأجب الرجل في خطبته"، فقام، فقال: الحمد الله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره، ووسّع كرسه علمه، ولم يكن شيء قط إلّا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكًا، واصطفى خير خلقه رسولًا، أكرمه نسبًا، وأصدقه حديثًا، وأفضله حسبًا، وأنزل عليه كتابًا, وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله في العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان به، فآمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهاجرون من قومه، وذوي رحمه أكرم الناس أحسابًا، وأحسن الناس وجوهًا، وخير الناس فعالًا، ثم كنَّا أول الخلق إجابة واستجابة لله حين دعانا رسول الله، ووزراء رسول الله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله، منع ماله ودمه ومن فكر جاهدناه في الله، وكان قتله علينا يسيرًا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم.
"فقام الأقرع بن حابس شاعرهم، فقال" الذي ذكره ابن هشام عن بعض علماء الشعر، فقام الزبرقان بن بدر، فقال: "أتيناك كما يعرف"، وفي لفظ يعلم، وما زائده "الناس فضلنا، إذا خالفونا" أي: جاءوا بعدنا، وفي نسخة إذا خالفونا، والظاهر الأولى لإفادتها أن قصدهم معرفة فضلهم لمن يخلفهم إذا بلغهم ما فاخروا به، أما معرفة فضلهم لمعارضهم، فهي عندهم لا تخفى

<<  <  ج: ص:  >  >>