والاقتباس من مشارق أنوارهم، وباعد بيننا وبين من اتَّخذ ظهريَّا طريقهم، وخالف شقواته فريقهم آمين.
ومات عبد الرحمن بن أبي بكر فُجاءة في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين. وشهد الجمل مع أخته عائشة، وكان أخوه محمد يومئذ مع على رضي الله عنه وكانت وفاته بموضع قريب من مكة.
حدَّث أبو محمد قاسم بن أصبغ، قال: نا محمد بن وضاح: نا مصعب بن سعد، نا عثمان بن يونس، عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة، قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بمكان يُدعى الحبُشْيَّ على أثنى عشر ميلا من مكة. فحمل إلى مكة، قال: فلما قدمت عائشة مكة أتت قبره، فقالت:
وكُنَّا كندمانَيْ جذيمةَ حِقبةً ... منَ الدَّهر حتى قيلَ: لن يَتصدَّعا
وولد عبد الرحمن محمدا، وعبد الله. فأما محمد فهو أبو عتيق، وولد قبل موت النبيِّ عليه السلام ويقال: إنه لم يُدرك النبيَّ عليه السلام أربعة رأوه في نسق إلا أبو قُحافة، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن. وأبو عتيق هذا هو والد عبد الله بن أبي عتيق صاحب الفكاهات والمزاج الحسن المستطرف. وكان مع ذلك عفيفا، وروى عن عمَّة أبيه عائشة، أم المؤمنين رضي الله عنها.
مسلم حدثنا يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وابن حُجْر، قال يحيى: أنا، وقال الآخران: نا إسماعيلُ، وهو ابن جعفر عن شريك، وهو ابن أبي نمر، عن عبد الله بن أبي عتيق، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنَّ في عجوة العالية شفاء، أو إنها ترياق في أول البُكرة ". وأكثر رواية ابن أبي العتيق عن عائشة. وكانت عائشة تحبُّه، وكان، وهو شاب يضع رأسه، في حجرها، ويتغنَّى فلا تنكر عليه. ودخل عليها رضي الله عنها، وهي في النَّزع، فقال: كيف تجدك يا أمَّه؟ فدكت نفسي. قالت: في الموت. قال: فلا أفديك إذا، فتبَّسمت عائشة.