أبا المغيرةِ والدُّنيا مُفَجِّعةٌ ... وإنَّ من غَرَّتِ الدنيا لمغرورُ
قد كانَ عندكَ للمعروفِ مَعرِفةٌ ... وكان عندَك للنَّكراءِ تنكَيرُ
وكنتَ تُغشَى وتُعطي المالَ من سَعةٍ ... إنْ كان بيتُكَ أضحى وهوَ مَجْهُورُ
الناسُ بعدَكَ قد خفَّتْ حلومُهمُ ... كأنما نَفختْ فيها الأعاصيرُ
ودخل الأحنف على معاوية بن أبي سفيان، وعليه مِدْرَعةُ صوفٍ وشِملةٌ. فلما مثل بين يديه اقتحمه عينة، فأقبل عليه، وقال: مَهْ. فقال الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، أهلُ البصرة عددٌ يسيرٌ، وعظمٌ كسيرٌ مع تتابعٍ من المحول، واتصال من الذُّحول. والمُكثرُ منها قد أطرق، والمقبل قد أملقَ، وبُلغ منه المُخَنَّق. فإنَّ رأى أمير المؤمنين أن يُنعشَ الفقيرَ، ويجبُرَ الكسير، ويسهِّل العسير، ويصفح عن الذحول، ويداوي المحول، ويأمر بالعطاء، ليكشف البلاءَ، ويُزيلَ اللأواءَ. وإن السيد من يَعمُّ ولا يخصُّ، ويدعو الجَهَلى، ولا يدعو النَّقَرى. إنْ أُحسن إليه شَكر، وإن أُسيء إليه غفر. ثم يكون من وراء ذلك لرعيته عماداً، يدفع عنهم الملمَّات، ويكشف عنهم المعضلات. فقال له معاوية: هَلُمنا يا أبا بحر، ثم تلا:) ولَتَعرِفنَّهم في لَحْنِ القَولِ (.
وابنه بحر الذي كان يكنى به كان مضعوفا. وقال لزبراء جارية أبيه: يافاعلةُ. فقالت: لو كنت كما تقول أتيت أباك بمثلك. وقيل له: ما منعك أن تجري على بعض أخلاق أبيك؟ فقال: الكسل.