تاريخه الكبير في أخبار صفين قال: لمَّا قدِمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس، فأبى أن يأتيها. ثم أرسلت إليه، فأتاها، فقالت: ويحك يا أحنفُ! بم تعتذر إلى الله من تركك جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان؟ أمن قلة عددٍ، أو أنك لا تطاع في العشيرة؟. قال: يا أمَّ المؤمنين ما كَبِرتِ السِّنُّ، ولا طال العهدُ. وإن عهدي بك عام أول تقولين فيه، وتنالين منه. قالت: ويحك يا أحنف، إنهم ماصُوهُ مَوْصَ الإناء، ثم قتلوهُ. قال: يا أم المؤمنين، إني آخذُ بأمركِ وأنتِ راضيةٌ، وأدعه وأنت ساخطةٌ.
ووُلد الأحنف ملتزق الأليتين حتى شُقَّ، وكان أعورَ. وأُرسل في بعثٍ إلى خراسان، فبيَّتهم العدوُّ ليلاً. فكان الأحنف أول من ركب، وهو يقول:
إنَّ على كلِّ رئيسٍ حقَا
أن يَخْضِبَ الصعدةَ أو تَنْدقّا
ثم حمل عليهم، فقتل صاحب الطبل، وانهزم القوم، ومضوا في آثارهم حتى فتحوا مَرْوَ الرَّوذِ في خلافة عثمان رضي الله عنه. وعُمِّر الأحنف إلى زمن مُصعب بن الزبير، وخرج معه إلى الكوفة لقتال المختار، فمات بها سنة سبع وستين، ومشى مصعب في جنازته بغير رداء، راجلا بين يدى نعشه. وقال: هذا أُسيِّدُ أهل العراق. ودُفن بقرب قبر زيادٍ بالكوفة بموضع يقال له الثويَّة. وفي الثَّويَّة يقول حارثة بن بدر الغُدانيُّ يرثي زياد بن أبيه، ويكنى زياد أبا المغيرة:
صلى الإلهُ على قبرٍ وطهَّرهُ ... عند الثَّويَّةِ يَسْفي فوقَهُ المُورُ