من الأئمة المهتدين؛ ممن إذا جنى عليه غفر، لعلمنا به أنّه حليم والله آخذ بيده كلما عثر؛ فأرشدنا بذلك إلى أنّه كريم، وممن تطرقه الخطوب، وهو بالألطاف مصحوب، وتحدق إليه النوائب وهو من نظرها الشخزر محجوب، وممن جمع له الناس على أنَّ يخشاهم فزاده إيماناً، وقال: حسبي الله ونعم الوكيل، فانقلب بفضل من الله ونعمة، وممن صبر واسترجع في نقص الأموال والأنفس والثمرات، فبشر بصلوات من ربه ورحمة، فتمالأت على أذنيه أصناف من الناس في مرات متعددة، وإناء من الدهر متجدده، فأتعس الله جدودهم، وأضرع إليه خدودهم، وأرغم بحوله وقوته أنوفهم، ورد عنه بسيف من الأقدار رماحهم وسيوفهم، وأدنى لهم بأسباب مختلفة الأنواع حتوفهم: فمن آمن أخذ من مأمنه الذي كان يستند إليه ومن خائف قد أدهشه الروع فهو يحسب كل صحية عليه؛ فكأن ألسنة الأقدار تنهاهم عن منازعة الإرادة، وكأن واعظ الاعتبار يحذرهم من شقاقهم الكفيل له بالسعادة؛ وكأنَّ شاهد الحال يقول هذه إرادة الله قضاها، وسنته السابقة أنفذها وأمضاها، فمن المنازع فيما حكم الله به وقضى، ومن الساخط في المحل الذي يطلب فيه من الله الرضا؟ ولو كان استيلاؤه على الملك يقوة عصبيته، وإهلاك مناوئته عن البيعة غضبه؛ لارتاب في ذلك الناظر ووحد السبيل إلى الاحتياج المناظر، ولكنه طالما عورض في الملك فكبا معارضه لفيه، وأتيحت له النصرة محل لم يحسبها فيه؛ وشد ما احتال على نصرته غير واحد، فانعكست عليه حيلته؛ وتوسل إلى مكروهه، فطاحت في قليب الانقلاب عليه وسيلته؛ وبغى عليه غير ما مرة فنصره الله على من بغي عليه،