أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ اسْمُ الْعِفَّةِ وَالْبِرِّ وَالْعَدَالَةِ، وَيُعْطِيه أَضْدَادَهَا كَاسْمِ الْفَاجِرِ وَالْفَاسِقِ وَالزَّانِي وَالْخَائِنِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَسْلُبُهُ اسْمَ الْإِيمَانِ كَمَا مَرَّ، فَيَسْلُبُ اسْمَ الْإِيمَانِ الْمُطْلَقِ دُونَ مُطْلَقِ الْإِيمَانِ، وَسُئِلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَخَطَّ دَائِرَةً فِي الْأَرْضِ وَقَالَ هَذِهِ دَائِرَةُ الْإِيمَانِ ثُمَّ خَطَّ دَائِرَةً أُخْرَى خَارِجَةً عَنْهَا وَقَالَ هَذِهِ لِلْإِسْلَامِ، فَإِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ جُزْءٍ مَا مِنْ الْإِيمَانِ لَهُ أَنْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ مَعَهُ جُزْءٌ مَا مِنْ الْعِلْمِ وَلَا يُسَمَّى بِهِ عَالِمًا فَقِيهًا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّقْوَى وَلَا يُسَمَّى مُتَّقِيًا وَنَظَائِرُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَالصَّوَابُ إجْرَاءُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يُتَأَوَّلُ بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ. قُلْت: وَكُنْت سَأَلْت فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ هَلْ يَكُونُ الزَّانِي فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِالزِّنَا وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى؟ قُلْت: لَا، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الطَّلَبَةِ وَالْمُدَرِّسِينَ، وَمَضَى رَجُلٌ مِنْ الْإِخْوَانِ إلَى أَحَدِ الْأَعْيَانِ فَذَكَرَ لَهُ الْقِصَّةَ وَحَرَّفَ بَعْضَ تَحْرِيفٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَبِيرُ مِنْ أَشْيَاخِي، فَلَمَّا حَضَرْت لِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَفَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ وَانْصَرَفْت إلَى نَحْوِ الْمَدْرَسَةِ أَرْسَلَ إلَيَّ الشَّيْخُ وَقَالَ لِي بَلَغَنِي عَنْك مَقَالَةً سَاءَتْنِي، فَقُلْت لَهُ: لَا سَاءَك اللَّهُ بِمَكْرُوهٍ مَا هِيَ؟ فَذَكَرَ لِي الْقَضِيَّةَ، فَقُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ، الْمُصْطَفَى يَسْلُبُهُ اسْمَ الْإِيمَانِ وَأَنْتُمْ لَا تَسْلُبُونَهُ اسْمَ الْوِلَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ الْمَعْصُومِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ إيمَانُ الزَّانِي قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ: أَنَّ الْإِيمَانَ سِرْبَالٌ سَرْبَلَهُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ زَنَى الْعَبْدُ نَزَعَ مِنْهُ سِرْبَالَ الْإِيمَانِ، فَإِنْ تَابَ رَدَّ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ إيمَانُهُ نَاقِصًا، وَعَلَى الْحَالَتَيْنِ فَلَيْسَ هُوَ وَلِيًّا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. فَرَضِيَ الشَّيْخُ بِمَا قُلْت وَدَعَا لِي وَانْصَرَفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُفَارِقُهُ الطِّيبُ الْمُتَّصِفُ بِهِ أَهْلُ الْعَفَافِ، وَيَتَبَدَّلُ بِهِ الْخُبْثُ الْمُتَّصِفُ بِهِ الزُّنَاةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: ٢٦] وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ خَبِيثٍ بَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute