مُتَّكِئًا وَقْتًا يَسِيرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ» .
ذَكَرَهُ أَصْحَابُ السِّيَرِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الشَّامِيُّ فِي سِيرَتِهِ هَذَا مَعَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: «مَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مُتَّكِئًا» .
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَعَامٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ أَكَلْت وَأَنْتَ مُتَّكِئٌ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْك فَأَصْغَى بِجَبْهَتِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ: بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَنَا جَالِسٌ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَفِزُ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ هَدِيَّةً فَجَعَلَ يَقْسِمُهُ، وَهُوَ مُحْتَفِزٌ يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلًا ذَرِيعًا» وَفِي رِوَايَةٍ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا» .
نَعَمْ فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ فَرَأَيْته يَأْكُلُ مُتَّكِئًا» ، وَهَذَا كَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ نُسِخَ يَدُلُّ لَهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَا مَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرْسَلَ إلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ الْمَلَكُ: إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُخَيِّرُك بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ فَأَشَارَ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلْ أَكُونُ عَبْدًا نَبِيًّا» فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ مُسْلِمٍ، قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنْ صَرَّحَ الصَّحَابِيُّ بِمَا يَخُصُّ إطْلَاقَ ذَاكَ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ بِالزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَعَلَى فَرْضِ التَّسْلِيمِ يَكُونُ فِعْلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ (دَدْ) أَيْ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ كَالدَّدِ يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا أَكَلَ مُتَّكِئًا لِأَجْلِ اللَّهْوِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِالْآدَابِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute