مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ إذْ أَهَّلَهُ لِحِفْظِ كِتَابِهِ، وَيَسْتَصْغِرَ عَرَضَ الدُّنْيَا أَجْمَعَ فِي جَنْبِ مَا خَوَّلَهُ تَعَالَى، وَيَجْتَهِدَ فِي شُكْرِهِ، وَأَنْ يَتْرُكَ الْمُبَاهَاةَ، وَأَنْ لَا يَطْلُبَ بِهِ الدُّنْيَا بَلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنْ لَا يَقْرَأَ فِي الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَقَنَاعَةٍ وَرِضًا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى، مُجَانِبًا لِلدُّنْيَا، مُحَاسِبًا لِنَفْسِهِ، يُعْرَفُ الْقُرْآنُ فِي خُلُقِهِ وَسَمْتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ كِتَابِ الْمَلِكِ، وَالْمُطَّلِعُ عَلَى مَا وَعَدَ فِيهِ وَأَوْعَدَ، وَحَثَّ عَلَيْهِ وَهَدَّدَ، فَإِذَا بَدَرَتْ مِنْهُ سَيِّئَةٌ بَادَرَ مَحَوْهَا بِالْحَسَنَةِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِحُزْنِهِ إذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِبُكَائِهِ إذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِصَمْتِهِ إذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَاكِيًا مَحْزُونًا حَكِيمًا عَلِيمًا سَكِينًا، وَلَا يَكُونُ جَافِيًا وَلَا غَافِلًا وَلَا صَخِبًا وَلَا صَيَّاحًا وَلَا حَدِيدًا.
(الرَّابِعَةُ) اسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الضُّحَى إلَى أَنْ يَخْتِمَ» . ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ وَهُوَ قِرَاءَةُ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَذَهَا الْبَزِّيُّ عَنْ ابْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَخَذَهَا مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخَذَهَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَخَذَهَا أُبَيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ. رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ انْقِطَاعُ الْوَحْيِ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَاوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزِّيُّ وَهُوَ ثَبْتٌ فِي الْقِرَاءَةِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ جَمَاعَةِ قَرَءُوا يَعْنِي خَتَمُوا بِغَيْرِ تَهْلِيلٍ وَلَا تَكْبِيرٍ، قَالَ إذَا قَرَءُوا بِغَيْرِ حَرْفِ ابْنِ كَثِيرٍ كَانَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلُ بَلْ الْمَشْرُوعُ الْمَسْنُونُ.
(الْخَامِسَةُ) يُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فَإِنْ قَطَعَهَا قَطْعَ تَرْكٍ وَإِهْمَالٍ أَعَادَ التَّعَوُّذَ إذْ رَجَعَ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ عَازِمًا عَلَى إتْمَامِهَا إذَا زَالَ الْعُذْرُ كَفَاهُ التَّعَوُّذُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ تَرَكَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَاسْتَوْجَهَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا ثُمَّ يَقْرَأُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِهَا، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute