فَمَا رَوْضَةٌ حُفَّتْ بِنَوْرِ رَبِيعِهَا ... بِسَلْسَالِهَا الْعَذْبِ الزُّلَالِ الْمُبَرَّدِ
(فَمَا) نَافِيَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَ (رَوْضَةٌ) اسْمُهَا وَبِأَحْسَنَ خَبَرُهَا. وَالرَّوْضَةُ وَالرِّيضَةُ بِالْكَسْرِ مِنْ الرَّمْلِ وَالْقُشُبِ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» كُلُّ مَكَان فِيهِ نَبَاتٌ مُجْتَمِعٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي ارْتِفَاعٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مَاءٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ النَّاظِمِ (حُفَّتْ) هِيَ (بِنَوْرِ) بِالْفَتْحِ وَكَرُمَّانٍ هُوَ الزَّهْرُ مُطْلَقًا أَوْ الْأَبْيَضُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْأَصْفَرُ فَزَهْرٌ وَالْجَمْعُ أَنْوَارٌ، يُقَالُ نَوَّرَ الشَّجَرُ تَنْوِيرًا خَرَجَ نَوْرُهُ. أَيْ فَمَا رَوْضَةٌ يَانِعَةٌ حُفَّتْ بِمَعْنَى مُطْبِقٍ وَمُحِيطِ نَوْرٍ (رَبِيعِهَا) أَيْ الرَّوْضَةِ بِأَحِفَّتِهَا.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} [الكهف: ٣٢] أَيْ جَعَلْنَا النَّخْلَ مُطْبِقَةً بِأَحِفَّتِهَا {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: ٧٥] مُحْدِقِينَ بِأَحِفَّتِهِ أَيْ جَوَانِبِهِ «وَحَفَّتْ بِهِمْ الْمَلَائِكَةُ» ، أَيْ أَحْدَقُوا بِهِمْ وَصَارُوا أَحِفَّتَهُمْ أَيْ جَوَانِبَهُمْ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «، حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ» أَيْ أُحْدِقَتْ بِهَا (بِسَلْسَالِهَا) أَيْ مَائِهَا الْعَذْبِ الْبَارِدِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: سَلْسَلٌ كَجَعْفَرٍ وَخَلْخَالٍ الْمَاءُ الْبَارِدُ أَوْ الْعَذْبُ كَالسُّلَاسِلِ بِالضَّمِّ، وَسَلْسَلَ الْمَاءَ جَرَى فِي حُدُورٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ (الْعَذْبِ) أَيْ الْمُسْتَسَاغِ وَاسْتَعْذَبَ أَيْ اسْتَسْقَى عَذْبًا (الزُّلَالِ) كَغُرَابِ (الْمُبَرَّدِ) أَيْ الْبَارِدِ ضِدَّ الْحَارِّ، وَالزُّلَالُ وَالزَّلِيلُ كَأَمِيرٍ، وَالزَّلُولُ كَصَبُورٍ هُوَ السَّرِيعُ الْمَرُّ فِي الْحَلْقِ أَيْ الْبَارِدُ وَالْعَذْبُ الصَّافِي السَّهْلُ السَّلِسُ، وَيُقَالُ زُلَائِلٌ كَعُلَابِطٍ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ: الزُّلَالُ بِضَمِّ الزَّايِ دُودٌ يَتَرَبَّى فِي الثَّلْجِ وَهُوَ مُنَقَّطٌ بِصُفْرَةٍ يَقْرُبُ مِنْ الْأُصْبُعِ يَأْخُذُهُ النَّاسُ مِنْ أَمَاكِنِهِ لِيَشْرَبُوا مَا فِي جَوْفِهِ لِشِدَّةِ بَرْدِهِ وَلِذَلِكَ يُشَبِّهُ النَّاسُ الْمَاءَ الْبَارِدَ بِالزُّلَالِ، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ مَاءٌ زُلَالٌ أَيْ عَذْبٌ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْعِجْلِيُّ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: الْمَاءُ الَّذِي فِي دُودِ الثَّلْجِ طَهُورٌ. وَهَذَا وَيُوَافِقُ أَنَّهُ الدُّودُ. نَعَمْ الْمَشْهُورُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّ الزُّلَالَ هُوَ الْمَاءُ الْبَارِدُ.
قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلِ بْنُ سَعِيدِ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute