الْكَبِيرِ، قَالَ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُمَا هَلْ يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْغِيبَةِ الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُغْتَابِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ وَتَحَلُّلِهِ. قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْلَامِهِ بَلْ يَكْفِيهِ الِاسْتِغْفَارُ وَذِكْرُهُ بِمَحَاسِنِ مَا فِيهِ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اغْتَابَهُ فِيهَا.
قَالَ وَهَذَا اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرِهِ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ جَعَلُوا الْغِيبَةَ كَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ يَنْتَفِعُ الْمَظْلُومُ بِعَوْدِ نَظِيرِ مَظْلِمَتِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا، وَأَمَّا فِي الْغِيبَةِ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِإِعْلَامِهِ إلَّا عَكْسُ مَقْصُودِ الشَّارِعِ، فَإِنَّهُ يُوغِرُ صَدْرَهُ وَيُؤْذِيهِ إذَا سَمِعَ مَا رُمِيَ بِهِ، وَلَعَلَّهُ يُهَيِّجُ عَدَاوَتَهُ وَلَا يَصْفُو لَهُ أَبَدًا. وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ لَا يُبِيحُهُ وَلَا يُجَوِّزُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُوجِبَهُ وَيَأْمُرَ بِهِ، وَمَدَارُ الشَّرِيعَةِ عَلَى تَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا لَا عَلَى تَحْصِيلِهَا وَتَكْمِيلِهَا. انْتَهَى.
وَأَمَّا ذِكْرُ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لِحَدِيثِ «إنَّ مِنْ كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنْ اغْتَبْته» فِي الْمَوْضُوعَاتِ، فَقَدْ تَعَقَّبَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْبَدِيعَاتِ بِمَا يُشْعِرُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ، فَإِنَّهُ قَالَ حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ وَقَالَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ضَعْفٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ قَوْلِهِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَأَوْرَدَ لَهُ شَاهِدًا حَدِيثَ حُذَيْفَةَ «كَانَ فِي لِسَانِي ذَرَبٌ عَلَى أَهْلِي فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ أَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِغْفَارِ، رَجَاءَ أَنْ يُرْضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَصْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَرَكَةِ اسْتِغْفَارِهِ» . هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي رَائِحَةِ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ قَالَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَفَّارَةُ مَنْ اغْتَبْته أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: التَّوْبَةُ مِنْ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنْ اغْتَبْته، فَقَالَ سُفْيَانُ بَلْ تَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا قُلْت فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا تُؤْذِهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الصَّلَاحِ الشَّافِعِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.
وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute