للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نحو «١» وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «٢». ومنها تذكير المؤنّث على تأويله بمذكر نحو وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً «٣» على تأويل البلدة بالمكان. ومنها تأنيث المذكّر نحو الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ «٤» أنّث الفردوس وهو مذكر حملا على معنى الجنّة.

ومنها التغليب وهو إعطاء الشيء حكم غيره ويجيء في محلّه. ومنها التضمين ويجيء أيضا في محله.

فائدة:

لهم مجاز المجاز وهو أن يجعل المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر فيتجوّز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما كقوله تعالى وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا «٥» فإنّه مجاز عن مجاز فإنّ الوطء تجوّز عنه بالسّرّ لكونه لا يقع غالبا إلّا في السّر وتجوز به عن العقد لأنّه مسبّب عنه، فالمصحّح للمجاز الأول الملازمة وللثاني السّببية، والمعنى لا تواعدوهن عقدة «٦» نكاح كذا في الاتقان.

فائدة:

قد يكون اللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد حقيقة ومجازا لكن من جهتين فإنّ المعتبر في الحقيقة هو الوضع لغويا أو شرعيا أو عرفيا، وفي المجاز عدم الوضع في الجملة.

فإن اتفق في الحقيقة بأن يكون اللفظ موضوعا للمعنى بجميع الأوضاع المذكورة فهي الحقيقة المطلقة وإلّا فهي الحقيقة المقيّدة. وكذا المجاز قد يكون مطلقا بأن يكون مستعملا في غير الموضوع له بجميع الأوضاع وقد يكون مقيّدا بالجهة التي كان غير موضوع له بها كلفظ الصلاة فإنّه مجاز لغة في الأركان المخصوصة حقيقة شرعا كذا في التلويح.

فائدة:

الحقيقة لا تستلزم المجاز إذ قد يستعمل اللفظ في مسمّاه ولا يستعمل في غيره وهذا متفق عليه. وأمّا عكسه وهو أنّ المجاز هل يستلزم الحقيقة أم لا بل يجوز أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له ولا يستعمل فيما وضع له أصلا، فقد اختلف فيه. القول الثاني أقوى وذلك لأنّه لو استلزم المجاز الحقيقة لكان للفظ الرحمن حقيقة وهو ذو الرحمة مطلقا حتى جاز إطلاقه بغير «٧» الله تعالى. وقولهم رحمان اليمامة لمسيلمة الكذّاب «٨» نعت مردود وكذا نحو عسى وحبّذا من الأفعال التي لم تستعمل بزمان معين.

فإن قيل المجاز لغة قد يجيء شرعا أو عرفا.

قلت المراد العدم في الجملة وقد ثبت كذا في العضدي. ومن أمثلة المجاز العقلي الغير المستلزم للحقيقة جلس الدار وسير الليل وسير شديد على ما مرّ، ودليل الفريقين يطلب من العضدي.


(١) نحو (- م)
(٢) البقرة/ ٢٢٨
(٣) ق/ ١١
(٤) المؤمنون/ ١١
(٥) البقرة/ ٢٣٥
(٦) عقد (م)
(٧) لغير (م)
(٨) هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامه. متنبئ ولقب بالكذاب لادعائه النبوة الكاذبة. وكانت له حروب قاسية مع المسلمين حتى قتل عام ١٢ هـ في خلافة الصديق.
الاعلام ٧/ ٢٢٦، الروض الأنف ٢/ ٣٤٠، شذرات الذهب ١/ ٢٣، تاريخ الخميس ٢/ ١٥٧.