وهذا المثال منطبق على أهل الدنيا المنهمكين فيها، فالرسل تدعوهم إلى الآخرة، وهم يتقاحمون في الدنيا تقاحم الفراش.
فصل
المثال الرابع عشر: مثل قوم خرجوا في سفر بأموالهم وأهلهم، فمرّوا بواد معشب كثير المياه والفواكه، فنزلوا به وضربوا خيامهم وبنوا هنالك الدّور والقصور، فمرّ بهم رجل يعرفون نصحه وصدقه وأمانته، فقال: إني رأيت بعينيّ هاتين الجيش خلف هذا الوادي وهم قاصدوكم، فاتبعوني أسلك بكم في غير (١) طريق العدو تنجوا منه، فأطاعته طائفة قليلة، فصاح فيهم: يا قوم النجاء النجاء، أُتيتم أُتيتم، وصاح السامعون له بأهليهم وأولادهم وعشائرهم فقالوا: كيف نرحل من هذا الوادي وفيه مواشينا وأموالنا ودورنا وقد استوطناه؟ فقال لهم الناصح: لينجُ كل واحد منكم بنفسه وبما خفّ عليه من متاعه، وإلا فهو مأخوذ وماله مجتاح.
فثقل على أصحاب الجد والأموال ورؤساء القوم النقلة ومفارقة ما هم فيه من النعيم والرفاهية والدعة، وقال كل أحمق: لي أسوة بالقاعدين فهم أكثر مني مالًا وأهلًا فما أصابهم أصابني معهم، ونهض الأقلون مع الناصح ففازوا بالنجاة، وصبّح الجيش أهل الوادي فقتلهم واجتاح أموالهم.
وقد أشار النبي ﷺ إلى هذا المثل بعينه في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي بردة عن أبي موسى عن النبي ﷺ: "إنما مثلي ومثل
(١) ساقطة من الأصل، واستدركتها من النسخ الثلاث الأخرى.