للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}. وما ذلك إلا ثمار الجنَّة.

ثمَّ قال تعالى: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ}. هذا إشارة إلى شدَّة حاجته إلى جنَّته، وتعلُّق قلبه بها من وجوه: أحدها: أنَّه قد كبرت (١) سنّه عن الكسب والتجارة ونحوها. الثاني: أنَّ ابن آدم عند كبره (٢) يشتدّ حرصه. الثالث: أنّ له ذرية، فهو حريص على بقاء جنّته لحاجته وحاجة ذرِّيته. الرابع: أنَّهم ضعفاء، فهم كَلٌّ عليه، لا ينفعونه بقوتهم وتصرّفهم (٣). الخامس: أنَّ نفقتهم عليه، لضعفهم وعجزهم. وهذا نهاية ما يكون من تعلّق القلب بهذه الجنَّة: لخطرها في نفسها، وشدَّة حاجته وحاجة ذريته إليها (٤).

فإذا تصوّرت هذه الحال وهذه الحاجة، فكيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصاب جنَّتَه إعصار، وهو (٥) الريح التي تستدير في الأرض، ثمَّ ترتفع في طبقات الجوّ كالعمود، وفيها (٦) نارٌ مرَّت بتلك الجنَّة، فأحرقتها، وصيرتها رمادًا؟ فصدق واللَّه الحسن: "هذا مثلٌ قلَّ من يعقله من الناس" (٧).

ولهذا نبَّه سبحانه على عظم هذا المثل، وحدا (٨) القلوب إلى التفكر فيه لشدَّة حاجتها إليه فقال: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ


(١) "ط": "كبر".
(٢) "ك، ط": "كبر سنه".
(٣) قراءة "ف": "يقوتهم ويصرفهم".
(٤) "إليها" سقط سهوًا من "ف". وفي "ط": "شدة حاجته وذريته".
(٥) "ط": "هي".
(٦) "ط": "وفيه".
(٧) كما سبق في ص (٨٠٦).
(٨) في الأصل: "حدى"، فقرأ ناسخ "ف": "جذب".