للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخمصُّ من هذا الحزنُ (١) على قطع الوقت بالتفرقة المضعِفة للقلب عن تمام سيره وجدّه في سلوكه، فإنَّ التفرقة من أعظم البلاءِ على السالك، ولا سيما في ابتداءِ أمره. فالأول حزن على التفريط (٢) في الأعمال، وهذا حزن على نقص حاله مع اللَّه، وتفرقة قلبه عنه (٣)، وكيف صار ظرفًا لتفرقة حاله، واشتغال قلبه بغير معبوده؟

وأخصُّ من هذا الحزنِ حزنُه على جزءٍ من أجزاءِ قلبه كيف هو خالٍ من محبة اللَّه؟ وعلى جزءٍ من أجزاءِ بدنه كيف هو متصرّف (٤) في غير محابّ اللَّه؟ فهذا حزن الخاصَّة. ويدخل في هذا حزنهم على كلِّ معارض يشغلهم عمَّا هم بصدده، من خاطر أو إرادة أو شاغل من خارج.

فهذه المراتب من الحزن لا بدَّ منها في الطريق، ولكن الكيِّس من (٥) لا يدعها تملكه وتُقعِده، بل يجعل عوضَ فكرتَه فيها فكرتَه فيما يدفعها به. فإنَّ المكروه إذا وردَ على النفس، فإن كانت صغيرةً اشتغلت بفكرها فيه وفي حصوله عن الفكرة في الأسباب التي تدفعها (٦) به، فأورثَها الحزن. وإن كانت نفسًا كبيرةً شريفةً لم تفكّر فيه، بل تصرف فكرَها إلى ما ينفعها. فإن علمتْ منه مخرجًا فكّرتْ في طريق ذلك المخرج وأسبابه، وإن علمتْ أنه لا مخرجَ منه، فكَّرت في عبودية اللَّه فيه،


(١) "ك، ط": "من هذا الحزن حزنُه".
(٢) "ف": "التوسط"، تحريف.
(٣) "عنه" ساقط من "ك، ط".
(٤) "ط": "منصرف".
(٥) "من" ساقط من "ك، ط".
(٦) في "ف" وغيرها: "يدفعها" والأصل غير منقوط. والسياق يقتضي قراءتنا.