للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثَّاني عَشَرَ: مِنْ شَأْنِ الْحُذَّاقِ الْمُتْقِنينَ: العِنَايَةُ بالتَّصحيحِ والتَّضْبِيبِ والتَّمْرِيضِ.

أمَّا التَّصحيحُ: فَهوَ كِتابَةُ ((صَحَّ)) على الكَلاَمِ أوْ عِندَهُ، ولاَ يُفْعَلُ ذلكَ إلاَّ فيما صَحَّ روايةً ومعنًى، غيرَ أنَّهُ عُرْضَةٌ للشَكِّ أوْ الخِلاَفِ، فَيُكْتَبُ عليهِ ((صَحَّ))؛ لِيُعْرَفَ أنَّهُ لَمْ يُغْفَلْ عنهُ، وأنَّهُ قَدْ ضُبِطَ وصَحَّ على ذلكَ الوجْهِ.

وأمَّا التَّضْبِيبُ ويُسْمَّى أيضاً التَّمْرِيضَ (١): فَيُجْعَلُ على ما صَحَّ وُرُودُهُ كذلكَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، غيرَ أنَّهُ فَاسِدٌ لَفْظاً، أوْ مَعْنًى، أوْ ضَعِيفٌ، أوْ ناقِصٌ، مثلُ أنْ يَكُونَ غيرَ جائِزٍ مِنْ حيثُ العربيَّةُ، أوْ يَكُونَ شَاذّاً عِنْدَ أهلِهَا يَأْبَاهُ أكْثَرُهُمْ، أوْ مُصَحَّفاً، أوْ يَنْقُصَ مِنْ جُمْلَةِ الكَلاَمِ كَلِمَةً أوْ أكْثَرَ، وما أشْبَهَ ذَلكَ، فَيُمَدُّ على ما هذا سَبِيْلُهُ خَطٌّ: أوَّلُهُ مِثْلُ الصَّادِ ولاَ يُلْزَقُ بالكَلمَةِ الْمُعَلَّمِ عليها كَيْلاَ يُظَنَّ ضَرْباً، وكأنَّهُ صَادُ التَّصْحِيحِ بِمَدَّتِها دونَ حائِها كُتِبَتْ كَذلكَ لِيُفَرَّقَ بينَ ما صحَّ مُطلقاً مِنْ جِهَةِ الروايَةِ وغيرِها، وبينَ ما صحَّ مِنْ جِهَةِ الروايَةِ دونَ غيرِها، فَلَمْ يُكَمَّلْ عليهِ التَّصْحيحُ، وكُتِبَ حَرْفٌ ناقِصٌ على حرفٍ ناقِصٍ؛ إشْعَاراً بِنَقْصِهِ ومَرَضِهِ مَعَ صِحَّةِ نَقْلِهِ ورِوايَتِهِ، وتَنْبيهاً بذلكَ لِمَنْ ينظرُ في كِتَابِهِ، على أنَّهُ قدْ وقَفَ عليهِ ونَقَلَهُ على ما هوَ عليهِ، ولَعَلَّ غيرَهُ قَدْ (٢) يُخَرِّجُ لهُ وَجْهاً صحيحاً، أوْ يَظْهَرُ لهُ بعدَ ذلكَ في صِحَّتِهِ ما لَمْ يَظْهَرْ له الآنَ. ولوْ غَيَّرَ ذلكَ وأصْلَحَهُ على ما عندَهُ، لَكَانَ مُتَعَرِّضاً لِمَا وَقَعَ فيهِ غيرُ واحِدٍ مِنَ المتَجَاسِرينَ الذينَ غَيَّرُوا، وظَهَرَ الصَّوابُ فيما أنْكَرُوهُ والفَسَادُ فيما أصْلَحُوهُ!.

وأمَّا تَسْمِيَةُ ذلكَ ضَبَّةً (٣)، فَقَدْ بَلَغَنا عَنْ أبي القاسِمِ إبراهيمَ بنِ مُحَمَّدٍ اللُّغَوِيِّ المعْرُوفِ بابنِ الإفْلِيْلِيِّ (٤): أنَّ ذلكَ لِكَونِ الحرفِ مُقْفَلاً بها لاَ يَتَّجِهُ لِقِرَاءةٍ، كَما أنَّ


(١) قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: ٣٠٠: ((والتمريض حيث تكون اللفظة صحيحة في الرواية دون المعنى، فيكتب عليها صورة صاد صغيرة ممدودة نصف صح؛ إيذاناً بأن الصحة لَمْ تكمل فيه)).
(٢) سقطت من (ب).
(٣) الضَّبَّة في الأصل: حديدة عريضة يُضَبَّبُ بها الباب والخشب، وتكون من صفر أو حديد أو نحو ذلك يشعب بها الإناء. انظر: التاج ٣/ ٢٣٣، ومتن اللغة ٣/ ٥٢٦.
(٤) في (ع) والتقييد: ((الإقليلي)) بالقاف، والصواب ما أثبت، قال ابن خلكان في وفياته ١/ ٥١: ((بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر اللام وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام ثانية، هذه النسبة إلى الإفليل، وهي قرية في الشام كان أصله منها. ومثله في حاشية نسخة (ب)، ونكت الزركشي ٣/ ٥٨٧، وضبطها ياقوت في معجم البلدان ١/ ٢٣٢: أَفْلِيْلاء -بفتح الهمزة- وكذا في مراصد الاطلاع ١/ ١٠٢. وقد توفي الإفليلي سنة (٤٤١ هـ). وانظر: وفيات الأعيان ١/ ٥١، وشذرات الذهب ٣/ ٢٦٦.

<<  <   >  >>