للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولُهُ: (فيأبَى عليه العلمُ حتى يكونَ للهِ) (١)، أي: أنَّ اللهَ تعالى يريدُ للخيرِ من وَفَّقَهُ لطلبِ أحبِّ الأشياءِ إليه وهو العلمُ، وإذا أرادَهُ لذلكَ، لم

يزلْ يمتحنُهُ ويصفيه ويرقُّ قلبَهُ، حتى يهديَهُ لأن يُقْبِلَ بكليتهِ إليهِ ويخلصَ النِّيَّةَ في طلبهِ.

قالَ الشيخُ مُحيي الدّينِ النوويُّ في مقدمةِ " شَرحِ المهذبِ " (٢): ((وَرُبَّما عَسُرَ - في كثيرٍ من المبتدئينَ بالاشتغالِ - تَصحيحُ النيةِ؛ لضعفِ نُفُوسِهم؛ وقلَّةِ أُنسِهِم بموجباتِ تَصحيحِ النِّيَّةِ، والامتناعُ من (٣) تَعليمِهم، يُؤدِّي إلى تفويتِ كثيرٍ من العلمِ، مَعَ أنَّه يُترجَّى (٤) ببركةِ العلمِ تَصحيحُها.

ويَنبغي أن يُؤَدِّبَ المتعلِّمَ على التدريجِ، فَيحرضَهُ بأقوالِهِ وأفعالهِ المتكررةِ على الإخلاصِ، والصدقِ، وحسنِ النِّيَّاتِ، ومراقبةِ اللهِ، ويُزهدَهُ في الدُّنيا، ويُرغِبَهُ في العلمِ، بتذكيرِ فضائلهِ، ويعتنيَ بمصالحهِ كاعتنائهِ بمصالحِ ولدهِ.

وعَن ابنِ عباسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قالَ: ((أكرمُ الناسِ عليَّ جَليسَي الذي يتخطَّى الناسَ حتى يجلسَ إليّ، لو استطعتُ أن لا يَقعَ الذبابُ على وجههِ

لفعلتُ)) (٥).

وينبغي أن يكونَ سَمحَاً، ببذلِ ما حَصَّلَهُ من العلمِ، ولا يُلقِى شَيئاً إلى مَن لم يتأهّل لهُ ولو سَألَ عنهُ، لم يُجبْهُ ويعرِّفْهُ أنّ ذلكَ يضرُّهُ، ويَتَواضعَ للمتعلمينَ.


(١) شرح التبصرة والتذكرة ٢/ ١٨، وهو قول معمر: ((إنّ الرجل ليطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله - عز وجل -)). انظر: الجامع لأخلاق الراوي (٧٨٤).
(٢) المجموع ١/ ٧٢ - ٧٤ بتصرف.
(٣) في (ف): ((في))، والمثبت من " المجموع ".
(٤) في المطبوع من " المجموع ": ((يرجى)).
(٥) المجموع ١/ ٧٣، والأثر أخرجه: البخاري في " الأدب المفرد " (١١٤٥) و (١١٤٦)، وفي " التاريخ الكبير "، له ٦/ ١٩٧ (٨٨١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>