للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولهُ: (لأنَّ ظاهِرَ ذلِكَ .. ) (١) إلى آخرهِ، أي: لأنَّ دواعِيَهم كانت متوفرةً على سؤالِه - صلى الله عليه وسلم - عَن جميعِ الأُمور التي كَانوا يفعلونَها وإنْ قَلَّتْ، إذا لم تكنْ ممَّا عَرفوا حُكمهُ، حَتى إنَّ بعضهُم كانَ يَفعلُ الشيءَ المُباح، كالتقبيلِ في الصيامِ في بعضِ الصُورِ (٢)، فَلا يقدرُ أَنْ ينامَ، لا يقرُّ لهُ قرارٌ حتَّى يُرسِلَ يَسألُ عَن ذلكَ، فَيخبرهُ أزواجُ النَبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَفعلُهُ، فلا يزدهُ ذلكَ إلا قَلقاً، ويَقولُ: يُحِلُّ اللهُ تعالى (٣) لِرسولهِ - صلى الله عليه وسلم - ما شاءَ، فَلا يَرجعُ دونَ أنْ ينصَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على أَنَّ ذلكَ لا يختصُّ بهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّهُ حلالٌ لغيرهِ، ولا يقالُ: إنَّهُ مرفوعٌ ولو لَم يطَّلِع عليهِ؛ لأنَّهُ لو لَم يكنْ جائِزاً لَم يُقرهُم اللهُ عليهِ، ولا أطْلعَ نبيَهُ - صلى الله عليه وسلم - / ١٠١أ / على ذلكَ؛ لأنَّهُ لا يُنسبُ إليهِ إلا مَا أطْلعَ عليهِ، ولو احتمالاً، فحينئذٍ يكونُ مرفوعاً حكماً، وإنْ كانَ يحتملُ مع ما تقدّمَ أَن يُريدَ قائلهُ: ((كُنَّا نرى)): إجماعَ الصحابةِ. ويُحتملُ أنْ يُريدَ نفسَهُ وَمَنْ وافقهُ، وإنْ لم يكنْ جميعَ الصحابةِ. لكن يُرجِّحُ الأولَ أَنَّ إضافتَهمْ الأشياءَ - لا سِيَّما مَا يتعلقُ بالتحليلِ والتحريمِ - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هوَ المستعملُ الكثيرُ الفاشي بينَهم، واستنادُهم إلى إجماعِ الصحابةِ نَادرٌ جدَّاً.

وأيضاً: فإنَّ الصحابيَّ لا يَجزمُ بالإجماعِ؛ لأنَّهُ لا يَتأتَى لَه الفحصُ عَن أقوالِ جميعِ الصحابةِ مَع تشتُتِهم في البلادِ.

وأيضاً: فَإنَّ داعيتَهُ ليسَت مُتوفرةً على السُؤالِ عن أَقوالِ الصحابةِ مثلهُ، إنَّما يسألُ عَن أعلى الأمورِ، وهو ما يُضافُ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بِخلافِ التَابعينَ، فإنَّ دواعيَهم مُتوفرةٌ على الرحلَةِ إلى الصحابةِ في جميعِ الأقطارِ، والفَحصِ عَن أقوالِهم،


(١) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ١٩١.
(٢) عبارة: ((في بعض الصور)) لم ترد في (ف).
(٣) ((تعالى)) لم ترد في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>