للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحياةُ - موجودٌ في كلٍّ من الإنسانِ والفرسِ مثلاً، على حدٍ سواءٍ، لا كذلكَ الضبطُ الذي في الصحيحِ والحسنِ، والقولُ فيهما كالقولِ في الواجبِ والمباحِ، فكما أنَّ منْ قالَ: إنَّ المباحَ جنسٌ للواجبِ، يقالُ له: يلزمكَ أنْ تقولَ: إنَّ النوعَ - وهوَ الواجبُ - يستلزمُ التخييرَ في فعلهِ وتركهِ، فكذلكَ يلزمُ من قالَ: إنَّ الحسنَ جنسٌ للصحيحِ، أنْ يقولَ: إنَّ النوعَ - وهو الصحيحُ --يستلزمُ وجودَ خفةِ الضبطِ في راويهِ، وكما أنَّهُ لما قالَ: ((هما مأذون في فعلهما واختصَّ الواجبُ بقيدٍ زائدٍ وهو أنَّهُ ممنوعٌ من تركهِ)) رُدَّ عليهِ: بأنَّهُ تَرَكَ فصلَ المباحِ، وهوَ أنَّهُ مأذونٌ في تركهِ، فكذلكَ من جعلَ الحسنَ جنساً للصحيحِ؛ لأنهما يشترطُ في راويهما الضبطُ. واختصَّ الصحيح باشتراطِ مزيدِ الضبطِ في الراوي، يردُ عليهِ: بأنَّهُ تركَ فصلَ الحسنِ، وهو اشتراطُ قصورِ ضبطِ راويهِ عن ضبطِ الصحيحِ، وكما أنَّ الواجبَ والمباحَ نوعانِ تحتَ الحكمِ، فكذلكَ الصحيحُ والحسنُ نوعانِ للمقبولِ، فإنَّهُ يشملهما؛ لأنَّهُ خبرٌ متصلُ السندِ بنقلِ عدلٍ ضابطٍ عن مثلهِ، أو عدولٍ يعضدُ بعضُهم بعضاً، غير شاذٍ ولا معللٍ، واللهُ أعلمُ.

قال شيخنا: ((والترمذيُّ عرَّفَ الحسنَ لغيرهِ، وادّعاءُ ابنِ المواقِ (١) أنَّهُ لم يميزْ ممنوعٌ، فإنهُ ميّزهُ بشيئينِ: أحدهما: أنْ يكونَ راويهِ قاصراً عن درجةِ راوي


(١) وهو محمد بن يحيى بن أبي بكر، أبو عبد الله بن المواق، مراكشي قال ابن عبد الملك: ((كان فقيهاً، حافظاً، مقيداً، ضابطاً، متقناً، ناقداً، محققاً))، وهو تلميذ ابن القطان، له كتاب
" بغية النقاد "، و" شيوخ الدارقطني "، و" شرح مقدمة مسلم " توفي سنة (٦٤٨ هـ‍).
وقد وهم صاحب كشف الظنون فخلط بين ابن المواق هذا، وابن مواق آخر اسمه: ... محمد بن يوسف المتوفى سنة (٨٩٧ هـ‍)، وهو شارح مختصر الخليل المسمى " التاج
والإكليل ". انظر: نيل الابتهاج: ٣٢٤، وكشف الظنون ١/ ٢٥١، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام ٤/ ٢٣١.
وقد ذكر ابن سيد الناس كلام ابن المواق في كتابه النفح الشذي ١/ ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>