للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأورثك العلاة وأورثوني ... رباط الخيل أفنية القباب

وسيف أبي الفرزدق فاعلموه ... قدوم غير ثابتة النّصاب

فانظر أيها الواقف على كتابي هذا إلى هذه الأساليب التي تصرّف فيها جرير وأدارها على هجاء الفرزدق بالقين؛ فقال أولا: إن أباه شغل عن المكارم بصناعة القيون، ثم قال ثانيا: إنه يبكي عليه ويندبه بعد الموت المرجل والبرمة الأعشار التي يصلحها، ثم قال ثالثا: إن أباك أورثك آلة القيون، وأورثني أبي رباط الخيل؛ وقد أورد جرير هذا المعنى على غير هذه الأساليب الذي ذكرتها، ولا حاجة إلى التطويل بذلك ههنا، وهذا القدر فيه كفاية.

وحيث انتهى بنا القول إلى ههنا فلنرجع إلى النوع الذي نحن بصدد ذكره، وهو اتحاد الطريق واختلاف المقصد؛ فمما جاء منه قول النابغة:

إذا ما غزا بالجيش حلّق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب

جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب

وهذا المعنى قد توارد عليه الشعراء قديما وحديثا، وأوردوه بصروب من العبارات؛ فقال أبو نواس:

تتمنّى الطّير غزوته ... ثقة بالّلحم من جزره

وقال مسلم بن الوليد:

قد عوّد الطّير عادات وثقن بها ... فهنّ يتبعنه في كلّ مرتحل

وقال أبو تمام:

وقد ظلّلت أعناق أعلامه ضحى ... بعقبان طير في الدّماء نواهل

أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها ... من الجيش إلّا أنّها لم تقاتل

وقد ذكر في هذا المعنى غير هؤلاء، إلا أنهم جاءوا بشيء واحد لا تفاضل بينهم

<<  <  ج: ص:  >  >>