للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ضعفه واتّساق ذلك اللفظ أو اضطرابه، وإلّا فكلّ كلام له تأليف يخصه بحسب المعنى المندرج تحته، وهذا مثل قولنا: العسل أحلى من الخل؛ فإنه ليس في الخل حلاوة حتى تقاس حلاوة العسل عليها.

وهذا القول فاسد؛ فإنه لو كان ما ذهب إليه هؤلاء من منع المفاضلة حقا لوجب أن تسقط التفرقة بين جيد الكلام ورديئه وحسنه وقبيحه، وهذا محال، وإنما خفي عليهم ذلك لأنهم لم ينظروا إلى الأصل الذي تقع المفاضلة فيه، سواء اتفقت المعاني أو اختلفت، ومن ههنا وقع لهم الغلط.

وسأبين ذلك فأقول: من المعلوم أن الكلام لا يختص بمزية من الحسن حتى تتصف ألفاظه ومعانيه بوصفين هما الفصاحة والبلاغة، فثبت بهذا أن النظر إنما هو في هذين الوصفين اللذين هما الأصل في المفاضلة بين الألفاظ والمعاني على اتفاقهما واختلافهما؛ فمتى وجدا في أحد الكلامين دون الآخر أو كانا أخص به من الآخر حكم له بالفضل.

وقرأت في كتاب الأغاني لأبي الفرج في تفضيل الشعر أشياء تتضمن خبطا كثيرا، وهو مروي عن علماء العربية، لكن عذرتهم في ذلك؛ فإن معرفة الفصاحة والبلاغة شيء خلاف معرفة النحو والإعراب.

فمما وقفت عليه أنه سئل أبو عمرو بن العلاء عن الأخطل فقال: لو أدرك يوما واحدا من الجاهلية ما قدمت عليه أحدا. وهذا تفضيل بالأعصار، لا بالأشعار، وفيه ما فيه، ولو [لا] أن أبا عمرو عندي بالمكان العلى لبسطت لساني في هذا الموضع.

وسئل جرير عن نفسه وعن الفرزدق والأخطل، فقال: أما الفرزدق ففي يده نبعة من الشعر وهو قابض عليها، وأما الأخطل فأشدّنا اجتراء وأرمانا للقرائض، وأما أنا فمدينة الشعر. وهذا القول في التفضيل قول إقناعيّ لا يحصل منه على تحقيق، لكنه أقرب حالا مما روي عن أبي عمرو بن العلاء.

وسئل الأخطل عن أشعر الناس، فقال: الذي إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع، فقيل: فمن ذاك؟ قال: الأعشى، قيل: ثم من؟ قال: طرفة. وهذا قول فيه بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>