سورة يوسف عليه السلام فإنها قصة برأسها، وهي مضمّنة شرح حاله مع إخوته من أول أمره إلى آخره، وفيها عدة تخلصات في الخروج من معنى إلى معنى، وكذلك إلى آخرها! ولو أخذت في ذكر ما في القرآن الكريم من هذا النوع لأطلت، ومن أنعم نظره فيه وجد من ذلك أشياء كثيرة.
وقد جاءني من التخلصات في الكلام المنثور أشياء كثيرة، وسأذكر ههنا نبذة يسيرة منها.
فمن ذلك ما أوردته في كتاب إلى بعض الإخوان أصف فيه الربيع، ثم خرجت من ذلك إلى ذكر الأشواق، فقلت: وكما أنّ هذه الأوصاف في شأنها بديعة، فكذلك شوقي في شأنه بديع، غير أنه لحرّه فصل مصيف وهذا فصل ربيع، فأنا أملي أحاديثه العجيبة على النوى، وقد عرفت حديث من قتله الشوق فلا أستفض حديث من قتله الهوى.
ومن هذا الأسلوب ما كتبته في كتاب إلى بعض الإخوان أيضا، وأرسلته إليه من بلاد الروم، وهو كتاب يشتمل على وصف البرد وما لاقيته منه، ثم خرجت من ذلك إلى ذكر الشوق، فقلت: ومما أشكوه من بردها أن الفرو لا يلبس إلا في شهر ناجر، وهو قائم مقام الظل الذي يتبرّد به من لفح الهواجر، ولفظ شدّته لم أجد ما يحققه فضلا عما يذهبه، فإن النار المعدّة له تطلب من الدفء أيضا ما أطلبه، لكن وجدت نار أشواقي أشدّ حرا فاصطليت بجمرها التي لا تذكي بزناد ولا تئول إلى رماد، ولا يدفع البرد الوارد على الجسد بأشدّ من حرّ الفؤاد، غير أني كنت في ذلك كمن سد خلة بخلة، واستشفى من علة بعلة، وأقتل ما أغلّك ما شفاك «١» فما ظنك بمن يصطلي نار الأشواق، وقد قنع من أخيه بالأوراق فضن عليه بالأوراق.