ثم أتم ذلك قصيدا مدح به الخصيب، فلما عاد إلى بغداد دخل عليه العباس ابن الأحنف، وقال: أنشدني شيئا من شعرك بمصر، فأنشده:
ذكر الكرخ نازح الأوطان
فلما استتمّ الأبيات قال له: لقد ظلمك من ناواك، وتخلف عنك من جاراك، وحرام على أحد يتفوّه بقول الشعر بعدك، فقال أبو نواس: وأنت أيضا يا أبا الفضل تقول هذا؟ ألست القائل:
لا جزى الله دمع عيني خيرا
وأنشد الأبيات، ثم قال: ومن الذي يحسن أن يقول مثل هذا؟
ومن تشبيه المركب بالمركب قول البحتري «١» :
جدة يذود البخل عن أطرافها ... كالبحر يمنع ملحه عن مائه
وهذا من محاسن التشبيهات.
وكذلك ورد قوله «٢» :
وتراه في ظلم الوغى فتخاله ... قمرا يكرّ على الرّجال بكوكب «٣»
وفي هذا البيت تشبيه ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء؛ فإنه شبه العجاج بالظلمة، والممدوح بالقمر، والسنان بالكوكب، وهذا من الحسن النادر.