المقدم: حتى هذا وجد في هذا العصر يعني أحياناً بعض العلية علية القوم من الكبار مثلاً في بعض الدول الإسلامية تجده مثلاً يهتم بوجود مكتبة نادرة من أجل هذا.
لا شك، أقول: أعظم من ذلك وجد تحف على هيئة كتب، تصف في خزائن بحيث يظنها الناظر أنها كتب، فأين النيات؟! والله المستعان.
في نفح الطيب نقل قال الحضرمي:"أقمت بقرطبة ولازمت سوق كتبها مدة، أترقب فيه وقوع كتاب لي بطلبه اعتناء، إلى أن وقع، وهو بخط فصيح، وتفسير مليح، ففرحت به أشد الفرح، فجعلت أزيد في ثمنه، فيرجع إلي المنادي بالزيادة عليّ إلى أن بلغ فوق حده، فقلت له: يا هذا أرني من يزيد في هذا الكتاب، حتى بَلّغَه ما لا يساوي؟ قال: فأراني شخصاً عليه لباس الرئاسة، فدنوت منه، وقلت له: أعز الله سيدنا الفقيه، إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركته لك، فقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حده، قال: فقال لي: لست بفقيه، ولا أدري ما فيه، ولكني أقمت خزانة كتب، واحتفلت فيها لأتجمل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب، فلما رأيت حسن الخط، وجودة التجليد استحسنته، ولم أبالي بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم به من الرزق فهو كثير"، قال الحضرمي:"فأحرجني، وحملني إلى أن قلت له: نعم لا يكون الرزق كثيراً إلى عند مثلك، يُعطى الجوز من لا له أسنان، وأنا الذي أعلم ما في هذا الكتاب، وأطلب الانتفاع به يكون الرزق عندي قليلاً، وتحول قلة ما بيدي بيني وبينه".
على كل حال الاعتراض على القدر مذموم، يعني كون الإنسان يزيد الله في رزقه، وكون الإنسان يضيق عليه هذا قدر الله، كل إنسان مكتوب له رزقه، وأجله، إلى آخره، وليس للإنسان أن يعترض، وليس بسط الرزق خير على كل حال، وليس ضيق ذات اليد شر محض على كل حال، والله المستعان.
على كل حال إذا وصل حد الجمع والعناية بها إلى هذا الحد صارت مما يلهي، ويشغل عن التحصيل العلمي، والعمل الصالح، فيدخل دخولاً أولياً في قوله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [(١) سورة التكاثر] مجرد تكاثر، أنا عندي نسخة كذا، أنا عندي تجليد كذا، أنا عندي طبعة كذا، أنا عندي أربع نسخ، خمس نسخ من كتاب كذا، هذا وجد في المتقدمين والمتأخرين.