للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم كالوحش الشّارد، مع الطّبع المتنافر المتباعد، وكيف ساسهم واحتمل جفاهم، وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم وآباءهم وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم وأحبّاءهم، من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلّم منها سير الماضين.. تحقّق له أنّه أعقل العالمين.

ولمّا كان عقله عليه الصّلاة والسّلام أوسع العقول.. لا جرم اتّسعت أخلاق نفسه الكريمة اتّساعا، لا يضيق عن شيء) .

هم كالوحش الشّارد) النافر النادّ (مع الطّبع المتنافر المتباعد، و) تأمّل (كيف ساسهم) : ملكهم بحسن تصرّفه فيهم واستجلاب قلوبهم، (واحتمل جفاهم) :

غلظتهم وفظاظتهم، (وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم وآباءهم وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم) - جمع وطن: مكانهم ومقرّهم- (وأحبّاءهم؛ من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب؛ يتعلّم منها سير الماضين: تحقّق له أنّه أعقل العالمين) ؛ جواب قوله: «ومن تأمّل ... الخ» .

(ولمّا كان عقله عليه [الصّلاة] والسّلام أوسع العقول؛ لا جرم) - أي: حقّا، و «لا جرم» في الأصل بمعنى: لا بدّ ولا محالة، ثم كثرت فحوّلت إلى معنى القسم، وصارت بمعنى حقّا؛ ولذا تجاب باللام، نحو: لا جرم لأفعلنّ كذا؛ قاله الفرّاء. كما في «المصباح» -.

(اتّسعت أخلاق نفسه الكريمة اتّساعا لا يضيق عن شيء) ؛ إذ كان مجبولا على الأخلاق الكريمة في أصل خلقته الزكيّة النقيّة، ولم يحصل له ذلك برياضة؛ بل بجود إلهي، ولهذا لم تزل تشرق أنوار المعارف في قلبه حتى وصل إلى الغاية القصوى، والمقام الأسنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>