للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل بيته كذب كذبة.. لم يزل معرضا عنه حتّى يحدث توبة.

أهل بيته) ، أي: من عياله وخدمه (كذب كذبة) واحدة- بفتح الكاف وكسرها والذال ساكنة فيهما- (لم يزل معرضا عنه) ؛ إظهارا لكراهته الكذب، وتأديبا له، وزجرا عن العود لمثلها (حتّى يحدث توبة) من تلك الكذبة الواحدة التي كذبها، وذلك لشدّة بغضه صلى الله عليه وسلم الكذب، لما يترتّب عليه من المفاسد، وإن كان نحو الزّنا أشدّ منه.

وفي رواية البزار: ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الكذب! ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزال في نفسه حتّى يعلم أنّه أحدث منها توبة.

وقبح الكذب مشهور معروف، إذ ترك الفواحش بتركه، وفعلها بفعله فموضعه من القبح كموضع الصدق من الحسن، ولهذا أجمع على حرمته إلّا لضرورة؛ أو مصلحة.

قال الغزالي: وهو من أمّهات الكبائر. قال: وإذا عرف الإنسان بالكذب؛ سقطت الثقة بقوله، وازدرته العيون، واحتقرته النفوس. وإذا أردت أن تعرف قبح الكذب؛ فانظر إلى قبح كذب غيرك، ونفور نفسك عنه، واستحقارك لصاحبه، واستقباحك ما جاء به. قال: ومن الكذب الذي لا إثم فيه ما اعتيد في المبالغة ك «جئت ألف مرّة» فلا يأثم؛ وإن لم يبلغ ألفا.

قال: ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل فيه أن يقال «كل الطعام» فيقول «لا أشتهيه» . وذلك منهيّ عنه. وهو حرام؛ إن لم يكن فيه غرض صحيح.

وقال الراغب: الكذب عار لازم، وذلّ دائم، وحقّ الإنسان أن يتعوّد الصدق، ولا يترخّص في أدنى الكذب، فمن استحلاه عسر عليه فطامه.

وقال بعض الحكماء: كلّ ذنب يرجى تركه بتوبة إلّا الكذب، فكم رأينا شارب خمر أقلع، ولصّا نزع؛ ولم نر كذّابا رجع.

وعوتب كذّاب في كذبه؛ فقال: لو تغرغرت به وتطعّمت حلاوته ما صبرت عنه طرفة عين. ذكره المناوي في شرح «الجامع الصغير» .

<<  <  ج: ص:  >  >>