جبريل فأخبره؛ فقال:«ما صنعت؟» . قال: كرهت أن أصبّ دمك. فقال صلى الله عليه وسلّم «لا تمسّك النّار» ، ومسح على رأسه. وقال:«ويل للنّاس منك، وويل لك من النّاس» .
(ولم ينكره) عليه! وهذا هو محطّ الدليل. فإنّ عدم إنكاره صلى الله عليه وسلّم دليل على جوازه وطهارته.
وقد سئل الحافظ ابن حجر عن الحكمة في تنوّع القول لابن الزبير ومالك بن سنان؛ مع اتحاد السبب!؟.
فأجاب بأن ابن الزبير شرب دم الحجامة، وهو قدر كثير يحصل به الاغتذاء، وقوّة جذب المحجمة تجلبه من سائر العروق؛ أو كثير منها، فعلم صلى الله عليه وسلّم أنّه يسري في جميع جسده؛ فتكتسب جميع أعضائه منه قوى من قوى النبي صلى الله عليه وسلّم فتورثه غاية قوّة البدن والقلب، وتكسبه نهاية الشهامة والشجاعة؛ فلا ينقاد لمن هو دونه بعد ضعف العدل وقلّة ناصره، وتمكّن الظّلمة وكثرة أعوانهم، فحصل له ما أشار إليه صلى الله عليه وسلّم من تلك الحروب الهائلة التي تنتهك بها حرمته الناشئة من حرمته صلى الله عليه وسلّم؛ وحرمة البيت العتيق، فقيل له «ويل له» لقتله وانتهاك حرمته، و «ويل لهم» لظلمهم وتعدّيهم عليه وتسفيههم.
وأما مالك بن سنان!! فازدرد ما مصّه من الجرح الذي في وجهه صلى الله عليه وسلّم؛ وهو أقلّ من دم الحجامة، وكأنه علم أنه يستشهد في ذلك اليوم، فلم يبق له من أحوال الدنيا ما يخبره به، فأعلمه بالأهمّ له ممّا يتلقاه من أنواع مسرّات الجنان. انتهى.
ولا عطر بعد عروس!.
وحاصله: أنّه اقتصر لمالك على التبشير بالجنة، وأنه لا تصيبه النار؛ لعدم بقاء شيء له من الدنيا، بخلاف ابن الزبير فأخبره بما يقع له في الدنيا على سبيل الإشارة، كما أشار له أيضا بأنّه من أهل الجنة؛ بقوله «لا تمسّك النّار» .
فزعم «أن مقتضاه أنه لم يخاطب بهذا ابن الزبير؛ بل مالكا» ساقط، إذ محطّ