وروى رأيت الناس. قال ابن القطاع: ولا يصح معه الرفع، وذلك لأن الروية لا تقع على اللفظ، وشبه تهيئتها وإعدادها للسير إليه ليسوقها أو سوقها إليه بأمره لها بالسير إليه، وطلبه لترتب السير على كل على طريق التصريح، ويجوز أنه شبهها بالعاقل فخاطبها بذلك على سبيل المكنية: أى اطلبى بلالا، فانه أنفع مما يطلبه الناس، ولما سمع بلال ذلك قال: يا غلام اعلف صيدح قتا ونوى، والقت: نوع من النبات الطري. (٢) . روى الرحيل بالرفع على أنه مبتدأ، وغداً- أى في غد- خبره، وبالنصب: مصدر لفعل محذوف، وذلك كله على الحكاية. وروى بالجر على الأصل، وغدا. ظرف للرحيل، وفي ترحالهم: أى مع رحيلهم نفسي- أى روحي- فكأن محبوبه أخذ روحه وغادره ميتا لتعلق قلبه به، ويجوز أنه استعارها لمحبوبه على طريق التصريحية، لأن به حياته وسروره، فكأنه يموت بمفارقته لاغتمامه (٣) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت: فما وجه من قرأ ص وق ون مفتوحات … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه تعالى: كلامه على الوجه الأول يوجب كونها معربة، وعلى الوجه الثاني يحتمل أن يكون أراد أن الفتحة- لالتقاء الساكنين- نشأت عن سكون الحكاية، فإنها إنما تحكى ساكنة مجردة من سمة الاعراب، فلا تكون الحركة إذاً إعرابا، إذ لا مقتضى له مع الحكاية، ولا بناء إذ هي معربة عنده على هذا التقدير. ويحتمل أن يكون أراد أنها مبنية فتكون الحركة مثلها في أين وكيف حركة بناء، والأول هو الظاهر من مراده إذ حتم قبل أنها معربة، على أن سيبويه نص في كتابه على ما أورده بلفظه قال: وأما (ص) فلا يحتاج إلى أن يجعل اسما أعجميا، لأن وزنه في كلامهم. ولكنه يجوز أن يكون اسما للسورة فلا يصرف. ويجوز أن يكون أيضا (يس وص) اسمين غير متمكنين فيلزمان الفتح كما ألزمت الأسماء غير المتمكنة للحركات نحو: كيف، وأين، وحيث، وأمس اه كلام سيبويه. وفيه رد على الزمخشري رحمه اللَّه في حتمه أن تكون معربة وأن فتحتها نصب أو لالتقاء الساكنين العارض للحكاية على ما ظهر من مقوله آنفاً، وسيأتى له أيضا ما يدل على أنه لا يجوز بناؤها البتة. أقول: بعد تسليم أن الأول هو الظاهر من مراده، فما ذكره- حكاية عن سيبويه- غير وارد عليه، لأنه اختار أحد الوجهين.