وروينا في سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفر ثلاثاً" وقد تقدم هذا الحديث قريباً في "جامع الدعوات".
وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن مولىً لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ
ــ
عنهم ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار وبيان أنه تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب التجاوز عن المسيء كما دل عليه أسماؤه الغفار الحليم التواب العفو فإنها تستدعي وجود من يغفر له ويحلم عنه ويتوب عليه ويعفو عنه فلم يجعل العباد كلهم كالملائكة لئلا تتعطل تلك الصفة وقد روي أن بعض الأولياء ترقب خلو المطاف مدة فخلا في ليلة ظلماء ودعا وكان من دعائه العصمة من الوقوع فسمع هاتفاً يا فلان أنت تسألني العصمة وكل أحد يسألني العصمة فإذا عصمتكم فعلى من أتكرم، فجعل الله تعالى من هذا النوع الإنساني من يكون ميالاً بطبعه إلى الهوى منهمكاً في المعاصي ثم حذره عنه ورغبه في التوبة ليوجد آثار تلك الصفات التي مظاهرها أكثر من مظاهر ضدها وفي الحديث القدسي:"إن رحمتى سبقت غضبي" أي باعتبار كثرة مظاهرها
وغلبتها لصفات الانتقام. قوله:(وقد تقدم هذا الحديث قريباً في جامع الدعوات) قدمه الشيخ في باب استحباب تكرير الدعاء من كتاب جامع الدعوات إذ هو معقود لذكر الجوامع من الدعوات الغير المقيدة بوقت ولا حال ولا آداب وشروط. قوله:(وروينا في سنن أبي داود والترمذي) في الجامع الصغير رمز الضعف على هذا الحديث وكأنه لأن مولى أبي بكر المذكور في السند مبهم. قوله:(ما أصر من استغفر) يحتمل أن المراد من الاستغفار التوبة فنفي الإصرار حينئذٍ ظاهر وأن المراد به لفظه مع الذلة والاستغفار لنفسه لأنه مع ذلك قد يمحو الذنب كما علم مما مر وهذا بالنسبة لأحكام الآخرة أما بالنسبة لأحكام الدنيا فلا يزيله إلا التوبة كما يعلم مما يأتي من مقابلتهم أفراد المعصية بأفراد الطاعة