للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ، ولجَاءَ بقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فيَستغفِرُونَ

ــ

يلتفتوا إلى من خالف فيه فزعم أنه تعالى لم يرد منهم صدوره كالمعتزلة ومن سلك مسلكهم لنظرهم القاصر الخائب إلى الظاهر أنه مفسدة صيره غفلة عن سره أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو سبب محبة الله تعالى لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وحديث لله أشد فرحاً بتوبة عبده وغيره من الأحاديث. قوله: (لو لم تذنبوا) معشر المكلفين بأن خلقتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة والأنبياء من العصمة المطلقة عن الذنوب بأسرها صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها. قوله: (لذهب الله بكم) أي لأن وجودكم حينئذٍ يخالف الحكمة الإلهية التي أرادها من خلقكم غير مجبولين على ذلك وهي إظهار صفة الكرم والحلم والعفو والغفران التي دلت عليها أسماؤه الكريم الحليم العفو الغفور ونحوها إذ لو لم يوجد ذلك لا نخرم طرف من صفات الألوهية والله تعالى يتجلى لعباده بصفات الجلال والإكرام والقهر واللطف فالملائكة لما نظروا إلى صفات الجلال والقهر قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} والله تعالى لما نظر إلى صفات الإكرام واللطف قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} راداً على الملائكة في طلبهم خلق معصومين غيرهم قال بعضهم لعل السر في هذا الحديث أن الملائكة خلقوا معصومين والشياطين غير مستغفرين عن السيئة وغير قابلين للمغفرة فلا بد من برزخ جامع بين حصول المعصية وحصول المغفرة وهذا حال عوام المسلمين فإن الأنبياء معصومون كالملائكة والكفار لا يقبلون الغفران كالشياطين المردة. قوله: (ولجاء بقوم) الباء فيه وفيما قبله للتعدية أي لأذهبكم وأفناكم وأظهر قوماً آخرين يمكن وقوع الذنب منهم فيتجلى عليهم بكرمه على مقتضى حكمته المفردة. قوله: (فيستغفرون) أي يتوبون إليه أو يقع منهم الاستغفار وإن لم توجد منهم توبة كما يؤذن به إطلاقه فعلم مما ذكر أنه لا يتوهم من الحديث أن فيه تسلية للمنهمكين في الذنب وقلة احتفالهم بمواقعته وقد بعثت الأنبياء بالردع عن غشيانه إنما فيه بيان عظم عفو الله عن المذنبين وحسن تجاوزه

<<  <  ج: ص:  >  >>