ومن عذاب النار وأوعد به العاصين فمن أدام ذلك قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغباً ورهباً والرغبة والرهبة ثمرة الرجاء والخوف يخاف من العقاب ويرجو الثواب وقيل الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه الله من أراد سعادته بقبح الذنب وضرره إذ هو سم مهلك ولا مخالفة في الحقيقة فإن الإنسان لا يتفكر في الوعد والوعيد إلا بالتنبيه الإلهي فإذا نظر بتوفيق الله إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها وانبعث منه الندم على ما فرط وترك مثل ما سبق مخافة عقوبته تعالى صدق عليه أنه تائب فإن لم يكن كذلك فهو مصر على المعصية ملازم لأسباب الهلكة قال سهل: علامة التائب أن يشغله الذنب عن الطعام والشراب كالثلاثة الذين خلفوا وقوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قيل: أي يذكرون بذنوبهم فيتوبون منها قال النحاس وهذا قول حسن، وقيل: وهم يعلمون أني أعاقب على الإصرار، وقيل: وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم وقيل يعلمون أنهم إن يستغفروا غفر الله لهم، وقيل: يعلمون بما
حرمت عليهم وقيل: يعلمون إن الإصرار ضار وإن تركه خير من التمادي قاله ابن عباس وغيره وقال الحسن بن فضيل: وهم يعلمون أن لهم رباً يغفر الذنوب وهذا أخذه من حديث مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه عزّ وجلّ قال:"أذنب عبدي ذنباً" فقال: "اللهم اغفر لي ذنبي" فقال تبارك وتعالى: "أذنب عبدي" علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ثم عاد فأذنب فقال: "أي رب اغفر لي ذنبي" فذكر مثله مرتين وفي آخره: اعمل ما شئت فقد غفرت لك، قال القرطبي في الحديث دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب لأن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى الذنب نقض التوبة فالعود إلى التوبة أحسن منها لأنه انضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم وإنه لا غافر للذنب سواه وقوله في آخر الحديث: اعمل ما شئت أمر معناه الإلزام في أحد الأقوال فيكون من باب قوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} وآخر الكلام خبر عن حال المخاطب