والتقعيد، وحلو العبارة، ودقة الإشارة، وتحليلاته اللغوية، ووجدته في نفس المكان يشيد بالمدخل إلى مذهب أحمد بن حنبل للعلامة عبد القادر ابن بدران الدومي الدمشقي ت ١٣٤٦، الذي ضمنه صاحبه جُل ما يحتاج إليه المشتغل بالمذهب. فعُدَّ بذلك عملا فريدا، ومصنفا عجيباً؛ لما حواه من مقاصد، وجمعه من مسائل، وفوائد.
وهو يشير إلى ما بين هذين الكتابين المتباعدين زمانا، نحواً من تسعة قرون ونصف، من رصيد كبير وتأسيس متين للفقه الحنبلي، فيعد من ذلك كتب الفقهاء، والأصوليين، وكتب التراجم، والطبقات، ومباحث الاجتهاد والتقليد ونحوها. وهو حين يذكرني بقول ابن بدران في مقدمة مدخله:"وسلكت به مسلكا لم أجد غيري سلكه حتى صار بحيث يستحق أن يكون مدخلا لسائر المذاهب، وليس على المخترع أن يستوفي جميع الأقسام بل عليه أن يفتح الباب": يردد على سمعي قول الآخر: "كم ترك الأول للآخَر"، مؤكدا عليه ببيت أبي العلاء:
وإنِّي وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه ... لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
ويحمله ذلك كله على الائتساء بالمتقدمين المقدّمين، بالسير على نهجهم، والاستدراك عليهم بالتتبع والاستقراء لكتب المذهب في الفقه وعلومه من حين تأسيسه وتدوينه إلى اليوم، وبالترجمة والتعريف بعلماء المذهب بحسب أوطانهم، وأعصارهم، وبيوتاتهم، وطبقاتهم، وبإعجام مصطلحات المذهب، والكشف عن معانيها، وتغير المراد منها، اتفاقاً، أو اختلافا، وبيان روايات المذهب وطرائق علمائه في التخريج ومسالك