قدراتهم ومواهبهم إِلى مراتب العلماء المحققين والفقهاء المتمرسين بالأَحكام الشرعية علما وعملا، أن ينتصبوا إلى إِعمال الفكر وإِجالة النظر في الواقعات المستجدة، والحوادث والنوازل العارضة، بحُسن تفهمهم، وعميق تفقههم، وكمال تدبرهم في فهم النصوص وتطبيقها، وباستخراجهم الأدلة لها من الكتاب والسنة، وبإِعمال القياس فيما لا نص فيه منها على ما وردت به النصوص، وبالاستناد إلى الاستحسان والاستصلاح والعرف وسد الذرائع والقواعد الكلية والمقاصد الشرعية ونحو ذلك، طلبا للحكم الشرعي وتوصلا إلى معرفته.
ولضبط ذلك كله عقد المؤلف مبحثا خاصا بالاجتهاد، وهو المبحث الخامس من المدخل الأَول من كتابه، فصل فيه القول في بيان ماهية الاجتهاد، والتعريف بالمجتهد ومراتبه، ومجالات الاجتهاد وأسبابه وأنواعه وحُكمه وحكمته، ومن العلامات على طريق الاجتهاد التي نصبها المؤلف: تفريقه بين الفقه والشرع، وتقريره شمولية الشرع المطهر وصلاحيته لكل زمان ومكان، واعتباره الجسر الممتد في الإسلام معلنا خلوده ونفاذه، واعتداده بقول ابن مسعود:"اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وعليكم بالأمر العتيق". وتقسيمه الأَحكام الشرعية إلى قطعيات لا تقبل الخلاف وظنيات في الفقهيات العملية المكتسبة وبعض المصادر التبعية يجوز فيها ذلك، وتفصيله القول في فهوم المجتهدين وفي اختلاف المِذاهب، وتأكيده أن الشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يكتب على العباد، وتنبيهه إلى ما وقع الناس