وإنه لكى يقوم لنا فهم صحيح للآية الكريمة، ينبغى أن نصلها بما قبلها من آيات الله، وأن يكون نظرنا إليها قائما على مراعاة هذا الجوار المرعىّ بين آيات الله وكلماته، وإلا كان هذا قطعا منّا لما أمر الله به أن يوصل.
والآية التي تسبق هذه الآية وتجاورها، هى قوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. وهذه الآية- كما أشرنا إلى ذلك من قبل- هى دعوة إلى المؤمنين من أهل الكتاب أن يؤمنوا برسول الله، وأنّ إيمانهم هذا هو الذي سيلحقهم بالمؤمنين، وينزلهم منازلهم، ويجعل لهم النور الذي جعله الله للمؤمنين يوم القيامة، وقد فتح الله سبحانه هذا المدخل الذي يدخل منه أهل الكتاب إلى هذا المنزل الكريم، لئلّا يعلموا أنهم لا يقدرون على شىء من فضل الله، ولئلا يقع فى تصورهم أنهم محجوبون عن هذا الفضل، لا يستطيون بلوغه بحال أبدا، إذ كان- كما خيّل إليهم- أنه فضل خاص بالعرب وحدهم.. وكلّا فإنه فضل الله، يناله كل مستجيب لله، مؤمن برسول الله.. وألا فليعلم أهل الكتاب أنهم قادرون على أن ينالوا هذا الفضل، إذا هم دخلوا فيما دخل فيه العرب.. فإن الفضل بيد الله وحده، لا بيد العرب، ولا بيد نبىّ العرب، بل هو بيد الله وحده يؤتيه الله من يشاء، والله ذو الفضل العظيم الذي يسع فضله الناس جميعا، دون أن ينقص منه شىء!.