مكونة من ذرات، والذّرات- كما عرف العلم- نور من نور.. فكل ذرة مجموعة من الشموس، تدور فى فلك النواة التي للذرة.. فهذه الأجسام المعتمة وغير المعتمة، من جبال، ورمال، وتراب، وأناسىّ، ودوابّ، وعربات، وسيارات، ودور، وقصور، وشموس وأقمار- هى نور مجسد، متكاثف. إذا انحلّ إلى ذرات كان كتلا من النور الوهاج..
فالعالم المادىّ- كما يبدو اليوم فى مرآة العلم الحديث- هو شموس من نور، وأن نوره سبحانه، يتخلل هذا النور، الذي هو بالإضافة إلى نور الله ظلام، لا تتجلى حقيقته إلا على ضوء نور الله، كما تتجلى حقائق الأشياء التي تقع فى محيط المشكاة، وما يشعّ المصباح الذي فيها من أضواء.
فنور الله سبحانه وتعالى، هو الذي يمسك هذا الوجود على نظامه الذي أقامه الله عليه، إذ على هذا النور يدور كل موجود فى فلكه، متناغما متجاوبا مع دورة الموجودات كلها فى فلك الوجود.. وهذا ما يشير إلى قوله تعالى:
«قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ»(١٥: المائدة) وعلى هذا يكون المراد بنور الله، هو ما أودع فى الموجودات من سنن، وما ركّب فى المخلوقات من قوى، وما بعث فى الناس من رسل، وما أنزل من كتب، ومن دلائل.. ففى كل هذا نور من نور الله، «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ»(١٦: المائدة) ولهذا جاءت هذه الآية:
«اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» تالية قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ» وذلك بعد أن كشفت آيات الله بأنوارها هذه الغاشية التي غشيت المسلمين من حديث الإفك، حتى لقد انقشع ظلامها، وانجلى ليلها عن صبح مشرق مبين..