للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصحُّ حدِيثٍ في هذا الباب، حدِيثُ عبدِ اللَّه بن زيدٍ المذكُورُ فيه.

واختلَفَ الفُقهاءُ فيمَنْ مسحَ بعضَ الرَّأسِ (١).

فقال مالكٌ: الفرضُ مسحُ جميع الرَّأسِ، وإن ترك شيئًا منهُ، كان كمن تركَ غسلَ شيءٍ من وجهِهِ (٢). هذا هُو المعرُوفُ من مذهبِ مالكٍ.

وهُو قولُ ابن عُليَّةَ، قال ابن عُليَّةَ: قد أمرَ اللَّه بمسح الرَّأسِ في الوُضُوءِ، كما أمرَ بمسح الوجهِ في التَّيمُّم، وأمرَ بغسلِهِ في الوُضُوءِ. وقد أجمعُوا أنَّهُ لا يجُوزُ غسلُ بعضِ الوَجْهِ في الوُضُوءِ، ولا مَسْحُ بَعضِهِ في التَّيمُّم، فكذلك مسحُ الرَّأسِ.

قال: وقد أجمعُوا على أنَّ الرَّأسَ يُمسَحُ كلُّهُ، ولم يَقُل أحدٌ: إنَّ مسحَ بَعضِهِ سُنَّةٌ، وبعضِهِ فرِيضةٌ، فلمّا أجمعُوا أن ليسَ مسحُ بَعضِهِ سُنّةً، دَلَّ على أنَّهُ كلَّهُ فَرِيضةٌ مسحُهُ، واللَّه أعلمُ.

واحتجَّ إسماعيلُ وغيرُهُ من أصحابنا لوُجُوبِ العُمُوم في مسح (٣) الرَّأسِ، بقولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]. وقد أجمعُوا أنَّهُ لا يجُوزُ الطَّوافُ ببعضِهِ، فكذلك مسحُ الرَّأسِ. وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] معناهُ عِندهُمُ: امسحُوا رُؤُوسكُم، ومن مسحَ بعضَ رأسِهِ، فلم يمسَحْ رأسهُ.

ومن الحُجَّةِ أيضًا لهُم: أنَّ الفرائضَ لا تُؤَدَّى إلّا بيقِينٍ، واليقِينُ ما أجمعُوا عليه من مسح جميع الرَّأسِ.


(١) مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٣٦.
(٢) انظر: عيون الأدلة لابن القصار ١/ ١٦٢، والمعونة على مذهب عالم المدينة لعبد الوهاب البغدادي، ص ١٢٤، وعيون المسائل له، ص ٦٣.
(٣) في د ٢: "غسل".

<<  <  ج: ص:  >  >>