للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو صحَّ، لكان معناهُ عِندي والله أعلمُ: ولم يَرَها على استِقامةٍ، أي: ولم يَرَها شيئًا مُستقيمًا؛ لأنَّهُ لم يَكُن طلاقُهُ لها على سُنَّةِ الله وسُنَّةِ رسُولِهِ. هذا أولى المعاني بهذه اللَّفظةِ إن صَحَّت.

وكلُّ من رَوَى هذا الخبَرَ من الحُفّاظِ، لم يذكُرُوا ذلكَ، وليسَ من خالَفَ الجماعةَ الحُفّاظَ بشيءٍ فيما جاءَ به.

وقدِ احتجَّ بعضُ من ذهَبَ إلى أنَّ الطَّلاقَ في الحَيْضِ لا يَقَعُ، وأنَّ المُطلِّقَ لا يعتدُّ بتلكَ التَّطليقة، بما رُوي عن الشَّعبيِّ، أنَّهُ قال: إذا طلَّقَ الرَّجُلُ امرأتهُ وهِيَ حائضٌ، لم يَعتدَّ بها، في قولِ ابن عُمرَ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- (١).

وهذا من الشَّعبيِّ إنَّما معناهُ: لا يَعْتدُّ بتلك الحيضة في العِدَّةِ، ولم يُرِدْ: لا يعتدُّ بتلكَ التَّطْليقةَ.

وقد رُوي عنهُ ذلك منصُوصًا: رواهُ شَرِيكٌ، عن جابرٍ، عن عامرٍ، في رَجُلٍ طلَّقَ امرأتهُ وهي حائضٌ، قال: يَقَعُ عليها الطَّلاقُ، ولا يُعتدُّ بتلكَ الحَيْضة (٢).

واختلَفَ العُلماءُ في أمْرِ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- المُطلِّقَ في الحَيْضِ بالمُراجعةِ، فقال قومٌ: عُوقِبَ بذلكَ، لأنَّهُ تَعدَّى ما أُمِرَ به، ولم يُطلِّق للعِدَّةِ، فعُوقِبَ بإمساكِ من لم يُرِد إمساكَهُ، حتّى يُطلِّق كما أُمِرَ للعِدَّةِ، وقال آخرُونَ: إنَّما أُمِرَ بذلكَ قطعًا للضَّررِ في التَّطويلِ عليها؛ لأنَّهُ إذا طلَّقها في الحَيْضِ، فقد طلَّقها في وقتٍ لا تَعتدُّ به من قُرْئها الذي تَعتدُّ به، فتطُولُ عِدَّتُها، فنُهي عن أن يُطوِّلَ عليها، وأُمِرَ أن لا يُطلِّقها إلّا عندَ استِقبالِ عدَّتِها.


(١) أخرجه الطيالسي في مسنده (٢٠٥٦)، وفيه: "تعتد بالتطليقة، ولا تعتد بالحيضة".
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٨٠٥٥) من طريق جابر، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>