للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَقِيقةُ عندَهُم فيما لم تُوقفِ الشَّريعةُ عليه، ولا وَرَدت به سُنَّةٌ، وجبَ العُدُولُ عنهُ، إلى ما سُنَّ لنا، وهُدينا لهُ.

وفيما ذكَرَ هذا القائلُ من الضِّيقِ والتَّنازُع والاضْطِرابِ ما لا يليقُ أن يَتعلَّقَ به أُولُو الألبابِ. وهُو مذهبٌ ترَكهُ العُلماءُ قديمًا وحديثًا، للأحاديثِ الثّابِتةِ عن النَّبيِّ عليه السَّلامُ: "صُومُوا لرُؤيتِهِ، وأفْطِرُوا لرُؤيتِهِ، فإن غُمَّ عليكُم فأتِمُّوا ثلاثينَ".

ولم يتعلَّق أحدٌ من فُقهاءِ المُسلِمين فيما عَلِمتُ، باعتِبارِ المنازِلِ في ذلكَ، وإنَّما هُو شَيءٌ رُوِيَ عن مُطرِّفِ بن الشِّخِّيرِ. وليسَ بصحيح عنهُ، واللّه أعلمُ، ولو صحَّ، ما وجَبَ اتِّباعُة عليه، لشُذُوذِهِ، ولمُخالَفةِ الحُجَّةِ لهُ.

وقد تأوَّل بعضُ فُقهاءِ البَصْرةِ، في معنى قولِهِ (١): "فاقْدِرُوا لهُ" نحو ذلكَ، والقولُ فيه واحدٌ.

وقال ابنُ قُتيبةَ، في قولِهِ: "فاقدِرُوا لهُ" أي: فقَدِّرُوا السَّيرَ والمَنازِلَ. وهُو قولٌ قد ذكَرْنا شُذُوذهُ، ومُخالَفةَ أهلِ العِلم لهُ، وليسَ هذا من شأنِ ابن قُتيبةَ، ولا هُو مِمَّن يُعرَّجُ عليه في هذا البابِ.

وقد حُكِيَ عن الشّافِعيِّ، أنَّهُ قال: من كان مَذْهبُهُ الاسْتِدلالِ بالنُّجُوم، ومَنازِلِ القَمَرِ، ثُمَّ تبيَّنَ لهُ من جِهَةِ النُّجُوم: أنَّ الهِلال اللَّيلةَ، وغُمَّ عليه، جازَ لهُ أن يعتقِدَ الصِّيام، ويُبيِّتهُ ويُجزِئَهُ (٢).

والصَّحيحُ عنهُ في كُتُبِهِ، وعندَ أصحابِهِ: أنَّهُ لا يصِحُّ اعتِقادُ رمضانَ، إلّا برُؤيةٍ، أو شَهادةٍ عادِلةٍ، لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صُومُوا لرُؤيتِهِ، وأفْطِرُوا لرُؤيتِهِ، فإن غُمَّ عليكُم فأكمِلُوا العِدَّةَ ثلاثينَ يومًا".

حدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ،


(١) في ظا: "قوله في الحديث"، والمثبت من الأصل.
(٢) انظر: بداية المجتهد لابن رشد، ص ٢٠٧، وهذا مما حكاه ابن سريج عن الشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>