للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن نافع، عن ابن عُمرَ، قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهرُ تِسْعٌ وعِشرُونَ، فلا تصومُوا حتَّى تَرَوا الهِلالَ، ولا تُفطِرُوا حتَّى تَرَوهُ، فإن غُمَّ عَلَيكُم فاقدِرُوا لهُ". وكان ابنُ عُمرَ إذا مَضَى لشعبانَ تِسعٌ وعِشرُونَ، نُظِرَ لهُ الهِلالُ، فإن رُئيَ فذاكَ، وإن لم يُر، ولم (١) يحُلْ دُونَ منظرِهِ سَحابٌ ولا قَتَرٌ أصبَحَ مُفطِرًا، وإن حالَ دُونَ مَنْظرِهِ سَحابٌ أو قَتَرٌ، أصبَحَ صائمًا. قال: وكان ابنُ عُمرَ يُفطِرُ مع النّاسِ، ولا يأخُذُ بهذا الحِسابِ.

قال أبو عُمر: هذا الأصلُ يَنْتقِضُ على من أصَّلَهُ، لأنَّ من أُغمِيَ عليه هِلالُ رمضانَ، فصامَ على فِعْلِ ابن عُمرَ، ثُمَّ أُغْمِيَ عليه هِلالُ شوّالٍ، لا يخلُو أن يكونَ يَجري (٢) على احْتِياطِهِ خوفًا أن يُفطِرَ يومًا من رمضانَ، أو يترُكَ احتياطهُ، فإن تركَ احتياطهُ، نقضَ ما أصَّلَهُ، وإن جَرَى على احتياطِهِ، صام أحدًا وثلاثينَ يومًا، وهذا خِلافُ ما أمرَ الله به عندَ الجميع، ولكِنَّهُ وإن كان كما وَصَفنا، فإنَّ لأصحابِنا مِثلهُ من الاحتياطِ كثيرًا في الصَّلاةِ، مِثل قولِهِم: يتمادَى، ويُعيدُ ويسجُدُ سجدتيِ السَّهوِ. وهُو خِلافُ ما أمرَ الله به من الخَمْسِ صَلَوات، وهُو يُشبِهُ مذهب ابن عُمرَ في هذا البابِ، ويُشبِهُ أيضًا إعمالَ مالكٍ الشَّكَّ في مَواضِعَ من الطَّهارةِ، والطَّلاقِ، واللّه المُوفِّقُ للصوابِ.

وقد كان بعضُ جِلَّةِ التّابِعينَ، فيما حَكاهُ عنهُ محمدُ بن سيرينَ، يَذْهبُ في هذا البابِ، إلى اعتِبارِهِ بالنُّجُوم، ومَنازِلِ القَمرِ، وطريقِ الحِسابِ. وذهَبَ بعضُ فُقهاءَ البَصْريِّينَ، إلى أنَّ معنى قولِهِ عليه السَّلامُ: "فاقدِرُوا لهُ". ارتِقابُ مَنازِلِ القَمرِ، وهُو علمٌ كانتِ العَرَبُ تعرِفُ منهُ قَريبًا من عِلْم العَجَم.


(١) في م: "وإن لم يروا لم".
(٢) في م: "يجزئ".

<<  <  ج: ص:  >  >>