للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقاربِ المُتصدِّق، بدليلِ هذا الحديث، وهذا عندَ مالكٍ فيما لم يُردْ به صاحبُه حياةَ المُتصدَّقِ عليه، فإنّه إذا أرادَ ذلك فهيَ عندَه العُمْرَى، ومذهبُه في العُمْرَى أنَّها على مِلْكِ صاحبِها، تَرجعُ إليه عندَ انقضاءِ عُمُرِ المُعمَّر، أو إلى ورثتِه ميراثًا، وسنذكُرُ قولَه وقولَ غيرِه في العُمْرَى عندَ ذكرِ الحديثِ فيها في بابِ ابنِ شهاب (١) من كتابِنا هذا، ونُبيِّنُ وُجوهَ ذلك إن شاءِ اللَّه عزَّ وجلَّ.

وقد اختلَف قولُ مالكٍ فيمَن قال: هذه الدّارُ، أو هذا الشيءُ، حُبُسٌ على فلان، أو على قوم، ولم يُعقِبْهم، ولا جعَل لها مرجعًا إلى المساكينِ ونحوِهم، فمرَّةً قال: ترجِعُ مِلكًا إلى ربِّها، إذا هلَك المحبَّسُ عليه (٢)، كالعُمْرَى، ومرَّةً قال: لا تَرجعُ إليه أبدًا (٣). وهو تحصيلُ مذهبِه عندَ أهل المغربِ من أصحابِه، وحكَوا عنه منصوصًا فيمَن حبَّسَ حُبُسًا على نَفَرٍ ما عاشوا، فانقَرَضوا، فالحُبُسُ راجعٌ إلى عَصَتةِ المحبِّسِ حُبُسًا، ولا يَرجعُ إلى مَن حبَّسَه، وإنْ كان حيًّا، ويدخُلُ النِّساءُ في الغَلَّةِ معهم والسُّكْنى (٤).

ولو تَصدَّقَ بصَدَقَةٍ حُبُسٍ على ولدِه، وولدِ ولدِه، ولم يَجعَلْ له مَرجعًا غيرَ ذلك، فانقَرضَ ولدُه، وولدُ ولدِه، إلّا رجلًا واحدًا، فأراد بيعَه، فلا سبيلَ له إلى ذلك، فإذا انقرَضَ فهو حُبُسٌ صَدَقةٌ على عَصَبةِ المحبِّس، لا يُباعُ ولا يُوهبُ (٥). وإذا انقرَضَ أقربُ الناس إليه عَصَبتِه، فإلى الذين يلُونَهم، فإذا انقرَضَ كلُّ مَن تَمَسُّه به رَحِمٌ من عَصَبَتِه، رجَعَتْ على ما عليه أحباسُ المسلمين،


(١) في أثناء شرح الحديث السادس له، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، وهو في الموطّأ ٢/ ٣٠٢ (٢٢٠٠)، وسيأتي في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٢) الموطّأ ٢/ ٣٥٣ (٢٢٠٢)، والمدوّنة ٤/ ٣٩٢، ٤٥١.
(٣) المدوّنة ٤/ ٣٩٢، ٣٩٣، ٤٢٠.
(٤) المدوّنة ٤/ ٤٢٠.
(٥) المدوّنة ٤/ ٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>