للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجَّةِ الوَداع نحوَ خمسٍ وأربعين سنةً، وتُوفِّي سنةَ خمسٍ وخمسين، وقد ذكرنا أخبارَه وسيرتَه وطرَفًا مِن فضائلِه في كتابنا في "الصحابةِ" (١)، فأغْنَى عن ذكرِه هاهنا.

وفيه: دليلٌ على أنَّ المهاجِرَ لا يجوزُ له المُقامُ بالأرضِ التي هاجَر منها أكثرَ مما وُقِّتَ له، وذلك ثلاثةُ أيام، وذلك محفوظٌ في حديثِ العلاءِ بنِ الحضْرمِيِّ، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جعَل للمهاجِرِ ثلاثةَ أيام بعدَ الصَّدَرِ (٢). وهذه الهجرةُ هي التي كان يَحرُمُ بها على المهاجرِ الرُّجُوعُ إلى الدارِ التي هاجَر منها.

وقالت عائشةُ: إنَّما كانت الهجرةُ قبلَ فتح مكةَ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينةِ، ليَفِرَّ الرجلُ بدينِه إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (٣).

وروَى ابنُ عباسٍ، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ الفتح: "لا هجرةَ، ولكن جهادٌ ونيَّةٌ، وإذا استُنْفِرْتُم فانْفِرُوا"؛ رواه مجاهدٌ، عن طاوسٍ، عن ابنِ عباس (٤).


(١) الاستيعاب ٢/ ٦٠٦ (٩٦٣).
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣٤/ ١٥٤ (٢٠٥٢٦)، والبخاري (٣٩٣٣)، ومسلم (١٣٥٢) من حديث السائب بن يزيد عنه رضي الله عنه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بعد الصَّدَر" أي: بعد الرُّجوع من مِنًى. وسيأتي هذا الحديث بإسناد المصنّف من هذا الوجه في سياق شرحه لحديث ابن شهاب الزُّهري عن رجلٍ من آل خالد بن أُسيد في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٣) أخرجه بهذا اللفظ عبد الرزاق في المصنَّف ٨/ ٤٧٣ - ٤٧٤ (١٥٩٥١)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٧/ ٣٧ باثر الحديث (٢٦٢٤)، والبيهقي في الكبرى ٩/ ١٧ (١٨٢٣٢) من طرقٍ عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، أنه جاء عائشة مع عُبيد بن عُمير فسألها عن الهجرة، فذكروه.
وهو عند البخاري (٤٣١٢) من طريق عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، قال: زرت عائشة مع عُبيد بن عمرو، فسألها عن الهجرة، فقالت: "لا هجرة اليومَ، كان المؤمن يَفِرُّ أحدُهم بدينه إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مخافةَ أن يُفتَنَ عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر اللهُ الإسلامُ، فالمؤمنُ يعبد ربَّه حيث شاء، ولكن جهادٌ ونيَّة".
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٤٤٨ (١٩٩١)، والبخاري (١٨٣٤)، ومسلم (١٣٥٣). مجاهد: هو ابن جبر المكّي. وطاووس: هو ابن كيسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>