للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عمر (١): وفي قولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ القلمُ عن الصَّبيِّ حتى يَحتَلِمَ". دليلٌ واضح على أنَّ حَجَّ الصَّبيِّ تَطَوُّع، ولم يؤدِّ (٢) به فرضًا، لأنَّه محُالٌ أنْ يؤدِّيَ فرضًا مَن لم يَجبْ عليه الفرضُ، وأمّا المملوك، فهو عندَ جمهورِ العلماءِ خارجٌ من الخطاب العامِّ في قوله عزَّ وجلَّ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧]. بدليل عدَم التَّصرُّف، وأنَّه ليس له أن يحُجَّ بغيرِ إذنِ سيِّدِه، كما خرَج من خطابِ الجُمُعة، وهو قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآيةَ [الجمعة: ٩]. عندَ عامّةِ العلماءِ إلّا مَن شَذَّ، وكما خرَج من خطابِ إيجابِ الشَّهادة؛ قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢]، فلم يَدخُلْ في ذلك العبدُ، وكما جازَ خروجُ الصَّبيِّ من قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}. وهو من الناس، بدليل رَفع القلم عنه، وخرجتِ المرأةُ من قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}، وهي ممّن شَمِلَه اسمُ الإيمان، فكذلك خُروجُ العبدِ من الخطابِ المذكورِ بما ذكَرنا من الدَّليل، وهو قولُ فقهاء الحجاز، والعراق، والشَّام، والمغرب، ومثلُهم لا يجوزُ عليهم تحريفُ تأويل الكتاب البتَّة بحال.

فإن قال قائلٌ ممن يرَى أنَّ حَجَّ الصَّبيِّ يُجزِئُ عنه إذا بلَغ: إنَّ الصَّبيَّ إنّما لم يجبْ عليه الحَجُّ لأنَّه ممّن لا يستطيعُ السَّبيلَ إليه، فإذا بُلِغَ به البيتُ وجَب عليه الحَجُّ، وأجزَأه، كسائرِ مَن لا يَلْزَمُه الحَجُّ من البالغين؛ لعدَم الاستِطاعة، فإذا وصَل إلى البيتِ لَزِمَه الحَجُّ، فإذا فعَلَه أجْزَأ عنه. قيل له: إنَّ الذي لا يَجدُ السَّبيلَ إلى الحَجِّ إنّما سقَط عنه الفرضُ لعَدَم الوُصولِ إلى البيت،


(١) قوله: "قال أبو عمر" لم يرد في ق.
(٢) في ق، ف ١: "يرد".

<<  <  ج: ص:  >  >>