للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واختلَف العلماءُ أيضًا في حَجِّ الصَّبيِّ؛ هل يُجزِئُه إذا بلَغ من حَجَّةِ الإسلام أم لا؟ فالذي عليه فقهاءُ الأمصارِ الذينَ (١) قدَّمنا ذِكْرَهم في هذا الباب، أنَّ ذلك لا يُجزِئُه إذا بلَغ من حجَّة الإسلام.

ذكر أبو جعفرٍ الطَّحاويُّ في كتابه في "شرح معاني الآثار" (٢) حديثَ إبراهيمَ بن عُقبةَ هذا عن كُريْب، عن ابنِ عباس، أنَّ امرأةً سألتِ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صبيٍّ: هل لهذا حَجٌّ؟ فقال: "نعم، ولكِ أجرٌ". قال أبو جعفر: فذهَب قومٌ إلى أنَّ الصَّبيَّ إذا حَجَّ قبلَ بُلُوغِه، أجزأه من حَجّةِ الإسلام، ولم يكُنْ عليه أنْ يحُجَّ بعدَ بُلوغِه، واحتَجُّوا في ذلك بهذا الحديث.

قال: وخالَفهم آخَرون، فقالوا: لا يُجزِئُه من حجةِ الإسلام، وعليه بعدَ بُلوغِه حجةٌ أخرى.

قال: وكان من الحُجَّةِ لهم عندَنا على أهل المقالةِ الأولى أنَّ هذا الحديثَ إنّما فيه، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبَر أنَّ للصَّبيِّ حَجًّا، وهذا ممّا قد أجمعَ الناسُ عليه ولم يختلِفوا فيه؛ أنَّ للصَّبيِّ حَجًّا، وليس ذلك عليه بفريضة من جهةِ القياس؛ كما له صلاةٌ وليست الصلاةُ عليه بفريضة، فكذلك أيضًا قد يجوزُ أن يكونَ له حَجٌّ وليس الحجُّ عليه بفريضة، وإنّما هذا الحديثُ حُجَّةٌ على مَن زعَم أنَّه لا حَجَّ للصبيِّ، فأمّا مَن يقول: إنَّ له حَجًّا، وإنّه غيرُ فريضةٍ عليه. فلم يُخالِفْ شيئًا من هذا الحديث، وإنّما خالَف تأويلَ مخُالِفِه خاصّةً، وهذا ابنُ عباس هو الذي روَى هذا الحديثَ عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قد صَرَفَ حَجَّ الصَّبيِّ إلى غير الفريضة، وأنّه لا يُجْزِئُه بعد بُلوغِه عن حجّةِ الإسلام، وقد زعَموا أنَّ مَن روَى حديثًا فهو أعلمُ بتأويلِه.


(١) في الأصل: "الذي"، والمثبت من ق، ف ١.
(٢) ٢/ ٢٥٧ - ٢٥٦ بإثر الأحاديث (٤١٤٧ - ٤١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>