للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: فإن قيل: فما معنَى الحَجِّ بالصغيرِ وهو عندَكم غيرُ مُجْزِئ عنه من حجةِ الإسلام إذا بلَغ، وليس ممَّن تَجرِي الأقلامُ له وعليه؟ قيل له: أمّا جَرْيُ القلم له بالعمل الصّالح، فغيرُ مُستنكَرٍ أن يُكتَبَ للصَّبيِّ درجةٌ وحسنةٌ في الآخرةِ بصلاتِه، وزكاتِه، وحجِّه، وسائرِ أعمالِ البرِّ التي يعمَلُها على سُنَّتِها، تفضُّلًا من اللَّه عزَّ وجلَّ عليه، كما تفَضَّلَ على الميِّتِ بأَنْ يُؤجَرَ بصدقَةِ الحيِّ عنه، ويلحَقَه ثَوابُ ما لم يقصِدْه ولم يعمَلْه، مثلُ الدُّعاءِ له، والصَّلاةِ عليه، ونحو ذلك، ألا ترَى أنَّهم أجمَعوا على أنْ أمَرُوا الصَّبيَّ إذا عقَل الصلاةَ بأن يُصَلِّي، وقد صلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنس، واليتيمُ معه، والعَجوزُ من ورائِهما (١).

وأكثرُ السَّلفِ على إيجابِ الزَّكاةِ في أموالِ اليَتامى، ويستحيلُ ألّا يُؤجَرُوا على ذلك، وكذلك وصاياهم إذا عقَلوا، وللذي يقومُ بذلك عنهم أجرٌ، كما للَّذي يُحِجُّهم أجرٌ، فَضْلًا من اللَّه ونعمةً، فلأيِّ شيءٍ يُحرَمُ الصغيرُ التعرُّضَ لفضلِ اللَّه؟ وقد رُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطّابِ رضيَ اللَّهُ عنه معنى ما ذكَرتُ، ولا مُخالِفَ له أعلَمُه ممَّن يجبُ اتِّباعُ قولِه.

حدَّثنا عبدُ الوارثِ بنُ سفيان، قراءةً منِّي عليه، أنَّ قاسمَ بنَ أصبغَ حدَّثهم، قال: حدَّثنا عبيدُ بنُ عبدِ الواحدِ البزّارُ (٢)، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ المدينيِّ، قال: حدَّثنا حمادُ بنُ زيد، قال: حدَّثنا يحيى البكّاءُ، عن أبي العاليةِ الرِّياحيِّ، قال: قال عمرُ بنُ الخطّاب: تُكتَبُ للصَّغيرِ حسناتُه، ولا تُكتَبُ عليه سيِّئاتُه (٣).


(١) أخرجه مالكٌ في الموطأ ١/ ٢١٨ (٤١٩) عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، وهو الحديث الخامس لإسحاق عن أنس، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٢) هو: عبيد بن عبد الواحد بن شريك البغدادي البزار، آخره راء مهملة، المتوفى سنة ٢٨٥ هـ، وترجمته في تاريخ الخطيب ١٢/ ٣٩٢ والتعليق عليها.
(٣) ذكره البغوي في شرح السُّنة ٩/ ٣٣٨ عن أبي العالية رُفيع بن مهران الرِّياحي، به. وإسناده إليه ضعيف، يحيى البكّاء: هو ابن مسلم أو ابن سُليم بن أبي خُليد البصري، ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>