للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على جنازة، فكبَّر عليها أربعًا، ثم أتَى القبرَ من قِبلِ رأسِه، فحثا فيه ثلاثًا (١).


(١) أخرجه ابن أبي داود في الأفراد عن طريق الأوزاعي كما في فتح الباري للحافظ ابن حجر ٣/ ٣٠٢.
ونقل فيه قوله: ولم أر في شيءٍ من الأحاديث الصحيحة أنه كبَّر على جنازة أربعَّاَ إلّا في هذا. وأخرجه من طريق ابن أبي داود ابنُ عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/ ١١٥، والمِزّيُّ في تهذيب الكمال ١١/ ٣١٢.
وهو عند ابن ماجة (١٥٦٥) عن العبّاس بن الوليد الدمشقيِّ، والطبراني في الأوسط عن أبي زُرعة -وهو عبد الرحمن بن عمرو الدِّمشقيّ- كلاهما عن يحيى بن صالح الوُحاظيِّ، به.
وقد اختلف في هذا الحديث: فقد قال البوصيري في مصباح الزُّجاجة ٢/ ٤١ (٥٦٦): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات" ومثل ذلك قال ابن حجر في تلخيص الحبير ٢/ ٣١، ولكن نقل ابن أبي حاتم عن أبيه في العلل ٢/ ٤٦١، ٤٦٢ (٤٨٣) قوله: "هذا حديث باطل" ثم قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ٢/ ١٣١ بعد أن نقل قول أبي حاتم: "قلت: هذا إسنادٌ ظاهره الصِّحة" ثم ذكر حديث ابن ماجة، وقال: "ليس لسلمة بن كلثوم في سنن ابن ماجة وغيرها إلّا هذا الحديث الواحد، ورجاله ثقات، وقد رواه ابن أبي داود في كتاب التفرُّد له من هذا الوجه، وزاد في المتن: أنه كبّر أربعًا، وقال بعده: ليس يروى في حديث صحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كبَّر على جنازة أربعًا إلا هذا؛ فهذا حكمٌ منه بالصِّحة على هذا الحديث، لكن أبو حاتم إمامٌ لم يحكم ببُطلانه إلّا بعد أن تبين له، وأظُنُّ العلَّة فيه".
قلنا: مسلمة بن كلثوم: هو الكنديُّ الشاميُّ قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (٢٥٠٧): صدوق، وقال الدارقطني في علله ٨/ ٢٤ (١٣٨٧): "يَهمُ كثيرًا" وقال في موضع آخر ٩/ ٣٢١ (١٧٩٤) بعد أن أشار إلى حديثه هذا: "فرواه سلمة بن كلثوم عن الأوزاعي عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وزاد فيه ألفاظًا لم يأتِ بها غيرُه وهي قوله: "أنه أتى القبرَ فحثا عليه ثلاًثا، وكبَّر على الجنازة أربعًا".
قلنا: الذي يظهر لنا -والله أعلم- أن الصحيح فيه ما ذهب إليه أبو حاتم والدارقطني بسبب تفرُّد سلمة بن كلثوم به عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعيِّ، وهو ممن لا يُحتمل تفرُّده، وهو ليس بالمكثر في رواية الحديث وغير مشهور، وخالفه جمعٌ رووه عن الأزواعيِّ وهو إمام مكثرٌ فلم يأتوا بالألفاظ التي أتى بها سلمة بن كلثوم، وعلى هذا أسقط أبو حاتم حديثه، وأشار الدارقطني إلى الوهم الذي فيه، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>