للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويومُ الجُمُعة عندَ مالكٍ وغيرُ يوم الجُمُعة سواءٌ؛ لأنّ الفرقَ بينهما لم يَصِحَّ عندَه في أثرٍ ولا نَظَرٍ. وممَّن رخَّص في ذلك أيضًا: الحسنُ، وطاووسٌ، والأوزاعيُّ. وقال أبو يوسفَ، والشافعيُّ (١) وأصحابُه: لا بأسَ بالتَّطوُّع نصفَ النهارِ يومَ الجُمُعة خاصةً، وهي روايةٌ عن الأوزاعيِّ وأهلِ الشام (٢).

وحجةُ الشافعيِّ ومَن قال بقوله هذا ما رواه الشافعيُّ، عن إبراهيمَ بن محمدٍ، عن إسحاقَ بنِ عبد الله، عن سعيدِ بن أبي سعيدٍ المَقْبُريِّ، عن أبي هريرةَ، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن الصلاةِ نصفَ النهارِ حتى تَزولَ الشمسُ، إلّا يومَ الجمعة. واحتجَّ أيضًا بحديثِ مالكٍ، عن ابن شهابٍ، عن ثعلبةَ بن أبي مالكٍ، وقد تقدَّم ذِكرُه، قال: وخبرُ ثعلبةَ عن عامَّة أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دارِ الهجرةِ أنهم كانوا يُصَلُّون نصفَ النهار يومَ الجمعة.

قال أبو عُمر: كأنّه يقولُ: النَّهيُ عن الصلاةِ عندَ استواءِ الشمس صحيحٌ، وخُصَّ منه يومُ الجُمُعة بما رُوِيَ من العملِ الذي لا يكونُ مثلُه إلّا توقيفًا، وبالخبرِ المذكورِ أيضًا، وبَقِيَ سائرُ الأيام موقوفةً على النَّهْي.

وإبراهيمُ بن محمدٍ الذي روَى عنه الشافعيُّ هذا الخبرَ هو ابنُ أبي يحيى المدنيُّ، متروكُ الحديث، وإسحاقُ بعدَه في الإسناد، وهو ابنُ أبي فَرْوةَ، ضعيفٌ أيضًا، فكأنّه إنّما يَقوَى عندَه هذا الخبرُ بما رُوِيَ عن الصحابة في زمن عمرَ من الصلاةِ نصفَ النهارِ يومَ الجمعة، وبالله التوفيقُ.

وقد حدَّثني عبدُ الرحمن بن مروانَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن سُليمانَ بن عُمرَ


(١) أثر الحسن - وهو البصري - أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (٥٤٧٤)، وأثر طاووس أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٣/ ٢٠٤ (٥٣٣٥) و (٥٣٣٦)، وانظر الأوسط لابن المنذر ٣/ ٤٦ - ٤٧ فيما نقله عن الأوزاعي والشافعيّ وغيرهما في هذه المسألة.
(٢) الأم للشافعي ١/ ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>