للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفضلِ إلّا وهم يَجتهدون (١) ويُصَلُّون نصفَ النهار (٢). فقد أبانَ مالكٌ حُجَّتَه في مذهبِه هذا؛ أنّه لم يَعْرِف النَّهْيَ عن الصلاةِ وسطَ النهارِ، وقد رُوِيَ عن مالكٍ أنّه قال: لا أكْرَهُ التَّطوُّعَ نصفَ النهارِ إذا استوَتِ الشمسُ، ولا أُحِبُّه. ومَحْمَلُ هذا عندي أنّه لم يَصحَّ عندَه حديثُ زيدِ بن أسلمَ المذكورُ في هذا الباب، عن عطاءٍ، عن الصُّنَابحيِّ (٣)؛ لأنّه قد رَواه، أو صحَّ عندَه ونُسِخ منه واستُثْنيَ الصلاةُ نصفَ النهار بما ذكرنا من العملِ الذي لا يجوز أنْ يكونَ مثلُه إلّا توقيفًا، واللهُ أعلمُ.

وقد روَى مالكٌ (٤)، عن ابن شهابٍ، عن ثَعلبةَ بن أبي مالكٍ القُرَظيِّ، أنّهم كانوا في زمن عمرَ بن الخطاب يُصلُّون حتى يَخرُجَ عمرُ، فإذا خرَج عمرُ وجلَس على المِنْبَر وأَذَّنَ المؤذِّنون (٥)، جلَسوا يتَحدَّثُون، حتى إذا سكَت المؤذِّن (٦) وقام عمرُ، سكَتوا فلم يَتكلَّمْ أحَدٌ. وخروجُ عمرَ إنّما كان بعدَ الزَّوال، بدليل حديثِ طِنْفِسَةِ عَقيل بن أبي طالبٍ (٧)، وإذا كانَ خروجُه بعدَ الزوال، وقد كانوا يُصَلُّون إلى أنْ يَخرُجَ، فقد كانوا يُصلُّون وقتَ استواءِ الشمسِ، والله أعلم.


(١) هكذا في النسخ، وفي المدونة: "يهجرون".
(٢) انظر المدونة ١/ ١٩٥، ١٩٦ (ط. العلمية).
(٣) سلف تخريجه في أوّل هذا الباب.
(٤) في الموطأ ١/ ١٦٠ (٢٧٤).
(٥) في بعض النسخ: "المؤذن"، والمثبت من ق، وهو الموافق لما في الموطأ.
(٦) كذلك.
(٧) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٤٠ (١٣) عن عمِّه أي سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت أرى طِنْفِسَةً لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة تُطرح إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غَشِيَ الطِّنفسةَ كلَّها ظِلُّ الجدار خرج عمرُ بن الخطاب وصلّى الجمعةَ، قال مالك (والد أبي سهيل): ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنَقيل قائلةَ الضَّحاء.
وأخرجه من طريق مالكٍ ابنُ المنذر في الأوسط ٤/ ١٠٠ (١٨٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>